تعالى ونداؤه مع عباده الذين لم يبلغوا مرتبة سماع كلام الله تعالى فلا يصدق عليه الخطاب الحقيقي، فإنه تعالى وإن كان محيطا بجميع الأشياء، وكل المخلوقات حاضرة عنده بلا حجاب، إلا أن العبيد المخلوقين إذا كانوا قاصري الوجود عن سماع كلامه والصوت المخلوق له، وكان الصوت المحقق به الخطاب قاصر الوجود عن بلوغه لأسماعهم، فلا يصدق عليه الخطاب الحقيقي والمكالمة الحقيقية، ولا ينافيه إحاطته الوجودية بكل شئ، كما لا يخفى.
الثالث: أن استعمال أداة الخطاب كأداة النداء وضمائر الحضور، وإن صح بلا تجوز في ما لم يكن للمنادى والحاضر التفات، إلا أنه لا يبعد دعوى انصرافها إلى الحاضر الملتفت - كما في الكفاية - كما أنه لا يبعد أن يقال: إن وقوع العنوان العام - كالناس والذين آمنوا - تلوها فيما إذا أوجد بها خطاب شفاهي لفظي، لا يوجب زوال هذ الانصراف، كما لا يوجبه عدم اختصاص الحكم المذكور بعدها بخصوص الحاضرين، بل المفهوم عرفا من أمثال هذه الخطابات الشفاهية أن المتكلم لما رأى الحاضرين مصداقا لتلك العناوين، فقد خاطبهم وناداهم بهذه العناوين بعد تطبيقها عليهم، وحكم عليهم بالأحكام التي يذكرها في كلامه، ثم علمنا باشتراك أحكامهم مع غيرهم أوجب انفهام حكم الغير، فدعوى الكفاية أن الاشتراك في الحكم مانع عن الانصراف مما لا يمكننا تصديقها.
وبالجملة: فالموضوع له لهذه الأداة هو الخطاب الإنشائي، إلا أنها إذا استعملت في خطاب شفاهي ملقى إلى جمع حاضر، انصرفت إلى خصوص الخطاب الحقيقي الذي لا يكون إلا مع مخاطب مدرك ملتفت.
ثمرة البحث:
قد عدت للبحث ثمرتان في الخطابات القرآنية مذكورتان في الكفاية وغيرها والفرق بينهما واضح كما أفاده.
والحق أن القرآن الكريم نزل به الروح الأمين على قلب رسول رب العالمين (صلى الله عليه وآله) بلسان عربي مبين - كما في سورة الشعراء - وإن هذا النزول كان