عدم دلالة المقيد بنفسه على انتفاء الحكم عن غيره من الأفراد، والتزم المشهور بذلك في باب المطلق والمقيد أيضا، ولذلك اشترطوا في حمل المطلق على المقيد إذا كانا مثبتين وحدة التكليف، إذ حينئذ تنعقد المعارضة بينهما، فإنه كما أن تعلق تكليفين بطبيعة واحدة غير معقول، كذلك تعلق تكليف واحد بالمقيد بما أنه مقيد - كما هو ظاهر دليل المقيد - وبالمطلق بما أنه مطلق - كما هو ظاهر دليل المطلق - غير معقول فظهور المقيد في أن التكليف تعييني وفي أن خصوصية المقيد دخيلة في المتعلق يعارض ظهور دليل المطلق في أن متعلق ذاك التكليف هو المطلق، والعرف يجمع بين المطلق والمقيد بتقييد المطلق وحمله على المقيد، ويحكم بأن هذ الحكم الواحد والتكليف الواحد قد تعلق بخصوص المقيد، فلا محالة يكون هذا الحكم منفيا عن غير المقيد من سائر أفراد المطلق، ولا مانع من تعلق تكليف آخر غير هذا الواحد بالمطلق، أو غير المقيد من سائر أفراد المطلق.
نعم، إن دل دليل على تعلق نفس هذا التكليف بغير المقيد من سائر الأفراد، فهو معارض لظهور المقيد في التعيين.
وإن كانا قابلي الجمع فيحمل كلاهما على التخيير، ويرفع اليد عن ظهورهما في التعيين.
كما أن من الواضح أنه لا فرق في انعقاد المعارضة بين المطلق والمقيد بعد انفهام وحدة التكليف، بين أن يكون الإطلاق بدليا أو شموليا، فما في تقريرات المحقق النائيني (قدس سره): من أنه لا موجب للحمل في المطلق الانحلالي، وأنه لو دل ثالث على ثبوت الحكم في سائر الأفراد فلا يعارض المقيد من العجائب، ومثلهما ما فيه من أن دليل المقيد صريح في التعيين، وهذا الذي أوضحناه هو مراد الكفاية، فلا يرد عليه ما في نهاية الدراية، بل ما فيها (1) من أن مقتضى حمل المطلق على المقيد عدم وجوب المطلق مطلقا لا عدم وجوبه بشخص وجوب المقيد فقط محل منع، كما عرفت، إلا أن يرجع إلى ما في الكفاية والحمد لله.