إذا عرفت هذا فالحق صحة التخيير بينهما: إما بأن يكون مقام الثبوت كما ذكره في الكفاية، وإما بأن يكون الأقل مؤثرا في أمر قابل للشدة والضعف، فلو اقتصر على الأقل يستوفي المطلوب الأقصى من المرتبة الضعيفة، وإذا أتى بالزائد اشتد الأثر المزبور، ويستوفي الغرض الأصيل اللازم التحصيل من المرتبة الشديدة، فجواز الاقتصار عليه ليس لأجل استحباب الزائد، بل لأجل امكان استيفاء الغرض منه، وإلا فلو أتى بالأكثر كان مجموعه مطلوبا واحدا، تبعا للحب الواحد المتعلق بأثره، ويمكن تصويره بغير هذين الاحتمالين.
وكيف كان فلا فرق بين التدريجيات وغيرها، خلافا لما أفاده سيدنا الأستاذ - مد ظله العالي - فإنه - مد ظله - حيث فسر الأقل المأخوذ في العنوان بما كان لا بشرط في مقام تعلق الوجوب، قال: إن التخيير في التدريجيات مطلقا والدفعيات التي لا يفي الأكثر بغرض أزيد غير معقول، إذ المولى في مقام تعليق الأمر يرى غرضه حاصلا بنفس الأقل، فضم الزائد كضم الحجر بجنب الإنسان، وأما الدفعيات التي يترتب على الأكثر فيها غرضان، أحدهما على الأقل في ضمنه، والآخر على الأكثر بما أنه أكثر، فيمكن ايجاب الأكثر تخييرا، ليكون له توسعة في مقام استيفاء غرضه بما يترتب على الأقل وما يترتب على الأكثر.
وأنت خبير بأن المولى بعد التفاته بأن الأقل لا بشرط فلا محالة يرى أن الأقل الموجود في ضمن الأكثر هو نفس مطلوبه وما أمر به، فهو يرى أنه قد أمر بالأقل على أي حال، ففي أمره بالأكثر بما أنه أكثر يكون غرضه خصوص ما يترتب على الأكثر أعني الغرض الآخر، لكنه حيث يرى أن هذا الفرض فرض حصول الغرض المترتب على الأقل الواجب الموجود بالفرض، فكان فرض الأكثر بما أنه أكثر فرض حصول الأقل وحصول الغرض، ومعه كيف يوجب الأكثر؟ فتدبر جيدا.
ثم إنه لا ريب في أن ظاهر الكفاية إرادة تصحيح التخيير فيما كان الغرض واحدا بنحو البشرط لائية، لكنه مع ملاحظة ما مر منه في أصل تصوير الوجوب