انتزاعها.
وأما الحكاية التصديقية فليس لنفس الحكاية - رغم كونها مفادا أصيلا للجمل - ما بحذاء في الخارج، فإنه ليس سوى نقل وحديث عما هو في الخارج، سواء كانت حكاية الثبوت أو حكاية العدم والانتفاء، إلا أنها لمكان أنها تنجز أحد طرفي الوجود والعدم، فلذلك كان لمحكيه من الثبوت والانتفاء واقعية وخارجية تحكيها، فالهوهوية التصورية مفهوم قابل لمتعلق الوجود به والعدم، وهذه الحكاية التصديقية تحكي عن أحد الطرفين جزما، فالحكاية التصديقية تنحل إلى أمرين:
نفس الحكاية التي لا مطابق لها في الخارج، والمحكي بها من الوجود والعدم، وله ما بحذاء. ومطابقة محكيها للواقع وعدمها ملاك الصدق والكذب.
وأما ما كان مفادها الحمل أو النسبة كقولنا: " لزيد علم " وقولنا: " زيد في الدار " وقولنا: " زيد على السطح " فالحرف يدل على النسبة الواقعة بين مدخوله وموضوع القضية، والهيأة تحكي حكاية تصديقية عن تحقق هذه النسبة بينهما، وإذا دخل حرف النفي حكت حكاية تصديقية عن عدم تحققها، والمحكي فيها أيضا، هو متن الواقع نفيا أو إثباتا، والكلام فيها أيضا هو بعينه الكلام في القسم الأول حرفا بحرف.
وأما ما كان مفادها الحدوث فهي الجمل التي اشتملت على فعل، سواء كانت فعلية أو اسمية خبرها فعلية، كقولنا: " كتب زيد " أو: " زيد كتب " فالأمر فيها أيضا يظهر مما تقدم، ويزيد عليه: أن هيأة الفعل تحكي عن حدوث المادة، والحدوث كالاتحاد، والنسبة أمر انتزاعي ينتزع عن كون وجود المبدأ مسبوقا بالعدم، فهذه الجمل تحكي حكاية تصديقية إما عن حدوث المبدأ وصدوره، وإما عن عدمه.
فقوام أصول الجمل الخبرية بحكاية تصديقية عن ارتباط هوهوي أو نسبي أو صدوري بين الموضوع والمحمول نفيا أو إثباتا، والحكاية تتعلق بواقع هذا الارتباط، سواءا طابقت الواقع أم خالفته، وحيث إن الحكاية ليست أزيد من الإبراز، والإبراز في وجوده لا يتوقف على أزيد من وجود ذهني للواقع الذي