الفطرة وبداهة الجبلة.
فلا يرد عليه، ما أورده سيدنا الأستاذ الأعظم - مد ظله - من أن مرجعه إلى حصول كيف استعدادي في العبد أو حق له عليه تعالى، والأول: مناف لتجرد عالم الآخرة، والثاني: مما يحذر عنه " هذا ".
والظاهر أن الأمر في جانب العقاب أيضا كذلك، فلا يرى المولى مالكا للحق على رقبة العبد، بل لو عاقبه على خلافه لكان عملا واقعا في محله، وعلى هذا فالأدلة الواقعة في الشريعة، الدالة على ثواب الأعمال وعقابها، تكون تعيينا لما يعطيه تبارك وتعالى بفضله هؤلاء المستحقين الحريين بإن يتفضل عليهم، لا صرف جعل منه تعالى.
نعم، حصر مفادها في هذا المعنى مما لا وجه له بعد وجود أدلة كثيرة ظاهرة في تجسم الأعمال، وتفصيل المقال موكول إلى محل آخر.
فهاهنا نقول: بناء على مسلك الاستحقاق فالعقل الحاكم به كما يحكم بثبوت هذا الاستحقاق على امتثال الواجب النفسي والتعبد به كذلك يحكم بأنه لو أتى إنسان بعمل حسن لأنه حسن، فأحسن إلى اليتيم لمجرد أنه حسن فهو أيضا حري بالإكرام، فلو أثابه مالك الملوك على هذا العمل لكان واقعا في محله، وهو حري به. نعم، لو أتى بعمل حسن لا لحسنه بل لمقاصد اخر ففعله وإن كان حسنا إلا أنه لا يستحق مدحا ولا ثوابا.
وفي طرف العقاب، كما أنه إذا علم بحرمته ومع ذلك أتى به أو ترك الواجب فهو مستحق العقاب، فكذلك إذا أدرك قبحه ومع ذلك عمل القبيح، ولو لم يكن لقبحه.
ومنه تعرف أن القرب أو البعد بمعنى جلب توجه المولى - مثلا - لا يتوقفان على قصد الطاعة والتعبد، بل لو أثاب فاعل الحسن لحسنه، أو عاقب فاعل القبيح بعد علمه بقبحه، لكان الثواب والعقاب واقعين على المحل المناسب، فالقرب أو البعد بمعنى أن للعبد مكانة أو دناءة في ساحة المولى يحصل بغير قصد القربة أيضا.
نعم، إذا اعتبر في العمل أن يكون للمولى فلا محالة لا يحصل بمجرد إتيانه