الثالث: أن يكون من باب حكم العقل بالاستحقاق، ومن المعلوم أن المراد بالعقل هنا ليس العقل النظري المدرك للأمور بإقامة البراهين العقلية عليها، كما أنه لا ينبغي أن يراد به القواعد العقلائية المجعولة من العقلاء لبنائهم على حفظ نظام الاجتماع، وكون الثواب والعقاب من أحسن أسباب حفظه، بل المراد به فطرة الانسان وجبلته، فإنها الذي تدرك أن لكل ذي حق حقه، وأن التعدي إلى حق الغير قبيح، والإحسان إلى من لابد له حسن، ونحو هذا، فإن الظاهر أن الحاكم بهذه الأمور هو جبلة الإنسان وفطرته، لا العقلاء بعد بنائهم على حفظ النظام وتوقف حفظه عليها.
وكيف كان فليس المراد بالاستحقاق أن يصير العبد مالكا لشئ على المولى - نعبر عنه بالثواب - أو يصير المولى مالكا لشئ على العبد، كيف ففي جانب الثواب لا يرى العقل والفطرة هذه الملكية لمن أتى بما يطلبه غيره، المساوي له في الشرف لأنه طلبه منه، فكيف في العبد بالنسبة إلى مولاه، ولا سيما في مولانا تبارك وتعالى الذي تمام حيثيات وجود عبيده منه، وليسوا مالكين لشئ أصلا، بل هو المالك بحقيقة معنى الملكية على الاطلاق، بل المراد به أن العبد بالامتثال يصير - بحكم العقل - بحيث لو جاد عليه مولاه على امتثاله هذا لكان واقعا في محله، ولكان العبد لائقا وحريا به، فليس هو ذا حق على مولاه، ولا المولى ملزما بالجزاء، بل لو جزاه بلطفه وسيادته كان واقعا في محله، فلا نقول بحصول كيف استعدادي في العبد، ولا أولوية مقربة للعلة إلى معلولها، ولا أولوية مورثة لحق من ناحية العبد، بل نقول بهذا الوقوع في المحل واللياقة (1)، وهذا مما يحكم به صريح كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد: ص 322. (*)