ومنه تعرف أنه لا بأس ولا غرو في كون المفهوم المنشأ معنى اسميا، أو ليس العتق أو البيع أو الطلب المنشآت بهيأة المضارع - مثلا - في قولك: " أبيع " و " أطلب " و " أعتق " معاني اسمية؟ فلا حاجة إلى ما أجاب به في النهاية عن إيراد اسمية معنى الطلب، كل ذلك مما يحكم به الوجدان على ما نعرف.
نعم، في أصل وضع الهيأة للطلب المفهومي أو المصداقي كلام، بل منع، وتفصيل المطلب يطلب من بحث تعيين الموضوع له الصيغة.
ثم إن هذا كله فيما كان في البين إطلاق، وأما إذا لم يكن اطلاق ووصلت النوبة إلى الأصول العملية، فللشك صور ثلاث:
الأولى: أن يكون ذلك الغير المحتمل كون وجوب المشكوك في غيريته لأجله فعليا، كما إذا دخل الوقت وعلم بوجوب الصلاة نفسيا، وعلم بوجوب الوضوء أيضا، لكن لم يعلم أنه نفسي أو غيري؟ فلا إشكال في وجوب الإتيان بالوضوء ولا شك في وجوبه، إنما الشك في تقيد الصلاة به، والأصل فيه البراءة - كما أفادوه - ومثله الشك في لزوم الاتيان بالوضوء قبل الصلاة - مثلا - بالنسبة إلى التكليف به، يجري عنه البراءة أيضا.
إلا أن سيدنا الأستاذ الأعظم - مد ظله العالي - استشكل جريان البراءة بأن المكلف يعلم إجمالا أنه إما أن يجب عليه الوضوء نفسيا، وإما أن يجب عليه الصلاة المقيدة به نفسيا أيضا، ومن ناحيته وجب الوضوء أيضا غيريا، فبعد كون تقيد الصلاة طرفا للعلم الاجمالي كيف يجري البراءة عنه؟
إلا أن هذا الاشكال وإن كنا ضبطناه بلا استشكال لكنه مما لم نستطع فعلا لفهمه، فإن هذا العلم الإجمالي ينحل إلى علم تفصيلي بوجوب الوضوء وشك بدوي في تقيد الصلاة به، فإن المفروض تعلق الوجوب الغيري بالوضوء - على فرض المقدمية - والكلام مفروض بعد تصوير الوجوب المقدمي، ومعلوم أن البعث النفسي والغيري سنخ واحد، وشرط تعلق البعث والوجوب ليس إلا تعلق الوجوب بالمقيد - على فرض الغيرية - وقد تعلق به، وليس شرطه الاتيان به