وبالجملة: ففي هذا الاستصحاب شبهة استصحاب الفرد المردد، والغروب والمغرب، بل هو منه، وكل من واد واحد، فتدبر جيدا.
وأما البراءة الشرعية فالظاهر جريانها بناء على إمكان تعلق التكليف بالقربة، فيرفع وجوب الإتيان بالطبيعة بقصد القربة، سواء كان وجوبا نفسيا مستقلا أو ضمنيا، أو كان وجوبا غيريا. وأما على امتناع تعلق الأمر بها فبناء على استظهار قابلية المرفوع بحديث الرفع ونحوه للجعل والوضع قد يمنع جريانها، إذ ليس في البين إلا احتمال دخل القربة في حصول الغرض، وهو تكويني غير جعلي، اللهم إلا أن يقال: إن المطلوبية الفعلية المقدمة على جعل البعث والتكليف موجودة على هذا المبنى، وإن لم يكن بعث وتكليف، كما أنه يمكن للشارع بيانها وإبرازها بالإخبار عن دخلها في الغرض، وهو أمر قابل للجعل والرفع، فيرفع إذا لم يعلم بحديث الرفع، لكنه مشكل، بقوة احتمال أن يقال: إن الظاهر من حديث الرفع الوارد في محيط القانون والتشريع رفع ما يجعله ويضعه من القوانين، لا مثل هذه المطلوبية المقدمة لها، فتدبر.
وفي تقريرات بعض المحققين (قدس سره) الاستشكال، بل المنع عن جريان البراءة الشرعية على القول بإمكان تعلق الأمر بالقربة إذا قلنا بأن مقتضى حكم العقل - فيما إذا احتمل دخالة قيد في حصول غرض المولى - هو الاشتغال وإن لم يأمر به أصلا، وذلك لدعواه اختصاص أدلتها بخصوص تكاليف لو لم يبينها يلزم نقض غرضه، وقصورها عن شمول قيود إن لم يأمر بها يحكم العقل أيضا بلزوم إتيانها، لاحتمال دخلها في تحصيل الغرض (1).
وهو (قدس سره) وإن لم يفد وجها لهذه الدعوى إلا أنه يمكن أن يذكر لها وجوه ثلاثة:
الأول: أن ظاهر حديث " الرفع " رفع خصوص ما يوضع على الأمة عنهم، وهو مختص بتكاليف يكون في وضعها مشقة عليهم، وأما مثل هذا التكليف الذي وجوده كعدمه فليس مشمولا له.