كما أنه لا إشكال في أنها ليست طريقا عقلائيا إلى الواقع، ولا كاشفا عن المجهول، بل يستعملها العقلاء لمحض رفع النزاع والخصام، وحصول الأولوية بنفس القرعة، ضرورة أنها ليست لها جهة كاشفية وطريقية إلى الواقع، كاليد وخبر الثقة، فكما أنها في الموارد التي ليس لها واقع كتقسيم الإرث والأموال المشتركة إنما هي لتمييز الحقوق بنفس القرعة لدى العقلاء، كذا في الموارد التي لها واقع مجهول لديهم ليست المقارعة لتحصيل الواقع وكشف الحقيقة، بل لرفع الخصام والتنازع، وهذا واضح.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أن المتتبع في الموارد المتقدمة التي وردت فيها الأخبار الخاصة، وكذا المتأمل في كلمات الأصحاب في الموارد التي حكموا بالقرعة (1) يحصل له القطع بأن مصب القرعة في الشريعة ليس إلا ما لدى العقلاء طابق النعل بالنعل، فإن الروايات على كثرتها بل تواترها - باستثناء مورد واحد سيأتي الكلام فيه - إنما وردت في موارد تزاحم الحقوق، سواء أكان لها واقع معلوم عند الله مجهول لدى الخصمين أو لا.
أما مورد تعارض البينات والدعاوى كالإشهاد على الدابة (2)، والإيداع والاختلاف في الولد (3) والزوجة (4) فمعلوم، وأما موارد الوصية بعتق ثلث العبيد (5) أو عتق أول مملوك (6) وأمثالهما فهو أيضا واضح، لأن العبيد كلهم سواء في التمتع بالحرية، فتتزاحم حقوقهم، وحيث لا ترجيح في البين يقرع بينهم، وكذا الحال في الخنثى المشكل (7) وغيرها من الموارد.
وبالجملة: ليس في جميع الموارد المنصوصة إلا ما هو الأمر العقلائي.
نعم: يبقى مورد واحد هو قضية اشتباه الشاة الموطوءة (8) مما لا يمكن الالتزام بها