وبالجملة: القرعة لدى العقلاء أحد طرق فصل الخصومة، لكن في مورد لا يكون ترجيح في البين، ولا طريق لإحراز الواقع.
ويشهد لما ذكرنا: مضافا إلى وضوحه قضية مساهمة أصحاب السفينة التي فيها يونس، فعلى نقل كانت المقارعة من قبيل الأول، والعثور على العبد الآبق (1)، وعلى نقل كانت من قبيل الثاني، لأنهم أشرفوا على الغرق، فرأوا طرح واحد منهم لنجاة الباقين (2)، وهذا أقرب إلى الاعتبار، ومعلوم أن مساهمتهم لم تكن لدليل شرعي، بل لبناء عملي عقلائي، بعد عدم الترجيح بينهم بنظرهم.
وقضية مساهمة أحبار بيت المقدس لتكفل مريم عليها السلام، كما أخبر بها الله تعالى إذ قال: * (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) * (3) تدل على أن العقلاء بحسب ارتكازهم يتشبثون بالقرعة عند الاختصام وعدم الترجيح، وهذه من قبيل الثاني، كما أن غالب المقارعات العقلائية لعلها من هذا القبيل، كالمقارعات المتداولة في هذا العصر.
وكذا يشهد لتعارفها قضية مقارعة بني يعقوب (4)، ومقارعة رسول الله صلى الله عليه وآله قريشا في بناء البيت (5)، بل مقارعته بين نسائه (6)، فإن الظاهر أنها كانت من جهة الأمر العقلائي، لا الحكم الشرعي.
وبالجملة: لا إشكال في معروفية القرعة لدى العقلاء من زمن قديم، كما أنه لا إشكال في أنها لا تكون عندهم في كل مشتبه ومجهول، بل تتداول لدى التنازع أو تزاحم الحقوق فقط.