والتحقيق: أنك قد عرفت أن مبنى حجيتها كان بناء العقلاء، كما مر مرارا، ولا تكون مما انفردت بحجيتها شريعة الاسلام، بل ولا سائر الشرائع.
وما يتوهم: من أن الصحة والفساد لا تكونان بين العقلاء، بل هما من الوضعيات الشرعية ففي غاية السقوط، لأن الصحة ليست إلا اعتبارا من الاعتبارات الوضعية العقلائية، فتتداول الصحة والفساد بينهم، كانوا منتحلين بشريعة أو لا.
ألا ترى: أن أحدا لو سرق مال غيره وباعه، فاطلع عليه الحاكم العرفي الغير المنتحل بدين يأخذ العين من المشتري، ويردها إلى مالكها، ويأخذ الثمن من السارق، ويرده إلى مالكه، وليس ذلك إلا لحكمه بفساد المعاملة، بخلاف ما لو وقعت المعاملة بين المالكين، وليست الصحة والفساد إلا ذلك.
وكذا ترى: أن لكل قوم نكاحا بقواعد مرسومة بينهم - ولو في الطوائف الوحشية - ويكون الزنا والنكاح بين جميع الطوائف مختلفين، ونكاح امرأة الغير باطل لدى غير المنتحلين بديانة أيضا، نعم يكون قانون الزواج مختلفا بين الطوائف المختلفة.
لكن مع اختلافه يكون النكاح الصحيح ما طابق القانون، والباطل ما خالفه، فتكون الصحة والفساد من الأحكام العقلائية، كأصالة الصحة، وشريعة الاسلام على صادعها السلام قد بدأت في زمان كانت الصحة والفساد وأصالة الصحة رائجة بينهم.
إذا عرفت ذلك فاعلم: أن اللائق بالبحث هاهنا أن دليل الاستصحاب وهو قوله: (لا ينقض اليقين بالشك) هل يصلح أن يكون رادعا لبناء العقلاء عن العمل بأصالة الصحة أم لا؟ وقد أشرنا سابقا (1) إلى عدم صلوح مثله للرادعية، فالعمدة هو ملاحظة نطاق دائرة بناء العقلاء، فقد عرفته في بعض الأمور السالفة (2).
فتقدم أصالة الصحة ليس من أجل التعارض بينها وبينه بدوا، والتقدم بحكومة