نفس قوله: (فإنه على يقين من وضوئه) بتأويل الجملة الإخبارية إلى الإنشائية - مع جعل الاحتمال المتقدم ضعيفا غايته (1) - لا ينبغي أن يصغى إليه، فإنه مع كونه خلاف الظاهر، يرد عليه الإشكال المتقدم.
وعلى أي حال: لو جعلنا الجزاء ما ذكر بنحو التقدير، أو بجعل الخبرية إنشائية، لا يمكن استفادة الكبرى الكلية من الرواية، فإن قوله: (لا ينقض اليقين بالشك) حينئذ يصير عطفا على الجزاء، ولا يفيد إلا مفاده، أي يكون عبارة أخرى عن قوله: " فيجب البناء على طبق اليقين بالوضوء "، ولا يصح جعله كبرى كلية، للخروج عن قانون المحاورة وطرز الاستدلال، فإن قانون الاستدلال على نحوين:
أحدهما: ذكر المتقدمتين ثم الاستنتاج، فيقال: " الخمر مسكر، وكل مسكر حرام، فالخمر حرام " أو يقال: " إنه على يقين من وضوئه فشك، وكل من كان على يقين من شئ فشك يجب البناء على يقينه، فيجب عليه البناء على يقينه من وضوئه ".
وثانيهما: ذكر النتيجة أولا، ثم الاستدلال عليها، وحينئذ لا بد من تخلل كلمة " لأن " وأمثالها فيقال: " الخمر حرام، لأنه مسكر "، ويقال: " يجب البناء على اليقين بالوضوء، لأنه من كان كذلك لا ينقض يقينه بالشك ".
فلو جعلنا قوله: (فإنه على يقين من وضوئه) جزاء، يكون المعنى: " أنه لا يجب عليه الوضوء " أو " يجب عليه البناء العملي على يقينه السابق من وضوئه " وهذه نتيجة البرهان، فقوله: (ولا ينقض اليقين بالشك) لو كان برهانا عليها لا بد وأن يصدر بما يفيد العلية، فجعل قوله: (فإنه على يقين) صغرى للكبرى (2) لا يجتمع مع جعله جزاء للشرط وجملة إنشائية (3)، فإنه على الإنشائية يصير نتيجة للبرهان، لا صغرى له.