اليقين بالحالة السابقة بمجرده لا يكون منشأ لبنائهم، لعدم كاشفية اليقين بالحالة السابقة عن الحالة الحاضرة التي تكون ظرف الشك، كما هو المفروض، كما أن نفس الكون السابق بما هو لا يكشف عن بقائه، ولا يوجب عملهم على طبقه، بحيث لو فرضنا موردا لا يكون في البين إلا اليقين بالكون السابق والشك في البقاء - بحيث لا يحصل لهم وثوق واطمئنان، ولا يكون عملهم مطابقا للاحتياط - يكون بناؤهم على العمل.
وبالجملة: لا أظن وجود بنائهم على طبق الحالة السابقة من حيث هي، ودعوى ذلك لا تخلو من مجازفة.
والقول: بأن ذلك أمر ارتكازي وعادي لهم من غير حصول الوثوق والاطمئنان لهم (1) ممنوع، بل رجوع الحيوانات إلى أوكارها لا يكون إلا من جهة حصول الوثوق بالبقاء، ولا دليل على عدم حصول الوثوق للحيوانات لولا الدليل على خلافه، فإن حصوله ليس من مختصات العقل، بل قد يحصل للنفس الحيوانية أيضا، لحصوله في الأمور الجزئية المدركة للحيوان، فتلك الحالات النفسانية كما تحصل للإنسان أيضا، تحصل لكثير من الحيوانات، أو لأجل العادة الجارية، ما قد تكون في الانسان أيضا، ولا ريب في أنه لم يكن لأجل عدم نقض اليقين بالشك، ولا يكون عودهم إلى محالهم غفلة كما قيل (2) فإنه واضح الفساد أيضا.
وبالجملة: الظاهر أن بناء العقلاء لا يكون إلا لحصول الوثوق والاطمئنان لهم، وهو حاصل لهم من ندرة حصول الرافع للشئ الثابت المقتضي للبقاء، نظير أصالة السلامة الناشئة من ندرة حصول العيب في الأشياء وغلبة سلامتها، بحيث يحصل الوثوق على طبقها، فالاستصحاب العقلائي لا يكون إلا العمل على طبق الوثوق