وأما تقدير اليقين في موارد الشك في المقتضي فبعيد جدا، بل لا يساعد عليه استعمال العرف أصلا، فتعميم اليقين في قوله: (اليقين لا ينقض بالشك) بحيث يعم مثل الفرض بعيد في الغاية (1) انتهى كلامه.
وثالثها: ما ذكره بعض أعاظم العصر على ما في تقريرات بحثه، وملخصه مع طوله بعد الإشكال على الشيخ بأن المراد باليقين ليس هو المتيقن: هو أن المراد من نقض اليقين نقضه بما أنه يستتبع الحركة على وفقه، فأخذ اليقين في الأخبار باعتبار كونه كاشفا لا صفة، فعناية النقض إنما تلحق اليقين من ناحية المتيقن، ولهذا تكون إضافته إلى اليقين شائعة، دون العلم والقطع، وليس ذلك إلا لأنهما يستعملان غالبا في مقابل الظن والشك، بخلاف اليقين، فإن إطلاقه غالبا بلحاظ ما يستتبعه من الجري على ما يقتضي المتيقن، فتختص أخبار الباب بما إذا كان المتيقن مما يقتضي الجري العملي على طبقه، بحيث لو خلي وطبعه لكان يبقى العمل على وفق اليقين ببقاء المتيقن.
وهذا المعنى يتوقف على أن يكون للمتيقن اقتضاء البقاء، فإنه في مثل ذلك يصح ورود النقض على اليقين بعناية المتيقن، ويصدق عليه نقض اليقين بالشك، بخلاف غيره، فإن الجري العملي فيه بنفسه ينتقض، ولا تصح هذه العناية فيه.
وبتقريب آخر: يتوقف صدق نقض اليقين بالشك على أن يكون زمان الشك مما تعلق به اليقين في زمان حدوثه، بمعنى أن الزمان الذي يشك في بقاء المتيقن فيه كان متعلق اليقين عند حدوثه، وهذا إنما يتم إذا كان المتيقن مرسلا بحسب الزمان، لكي يكون اليقين بوجوده من أول الأمر محدودا بزمان خاص، ومقيدا بوقت مخصوص، وإلا ففيما بعد ذلك الحد يكون المتيقن مشكوك الوجود من أول الأمر، فلا يكون من نقض اليقين بالشك (2) انتهى.