المتأخرون من أهل النظر (1)، لأن حرف السلب آلة لسلب المحمول عن الموضوع، لا لنسبة إليه، فمفاد السوالب ليس إلا سلب المحمول عن الموضوع، وحرف السلب ليس إلا آلة لسلبه عنه، فإذا لوحظ الواقع يرى أنه ليس بين المحمول والموضوع نسبة، أي لا يكون المحمول حاصلا للموضوع، فلا نسبة بينهما، فإنها منتزعة من حصوله له.
والقضية المعقولة أيضا تتعقل على نعت الخارج، أي يكون مفادها سلب الربط بينهما، لا ربط السلب، ولا ربط هو السلب، وكذا مفاد القضية الملفوظة، فالقضية السلبية لا تشتمل على النسبة رأسا، كما أنه في الواقع ليس بين الموضوع والمحمول ربط ونسبة، فالقضية السالبة مفادها سلب الربط، وإلا فإن كان مفادها ربط السلب تصير معدولة، وإن كان مفادها الربط بينهما بالنسبة السلبية، أي يكون السلب هو الربط يخرج حرف السلب عما هو عليه من كونه آلة لسلب المحمول عن الموضوع، مع أن لازم ذلك، أي الانتساب السلبي اتصاف الموضوع والمحمول بالسلب، فيكون مفاد القضية معنونية الموضوع بسلب المحمول عنه، ومعنونية المحمول بسلبه عنه، فتصير القضية السالبة مشتملة على نسبة إيجابية، مع أنه خلاف الضرورة وخلاف الواقع الذي تكون القضية كاشفة عنه.
مع أن القضية موجبة كانت أو سالبة لا بد وأن تكون حاكية عن نفس الأمر، كاشفة عن الواقع، فإذا لم يكن في الواقع ونفس الأمر ربط ونسبة بين الموضوع والمحمول فلا بد وأن تكون القضية حاكية عن سلب الربط والنسبة، ولا معنى لاشتمالها على ربط حتى يقال: إن النسبة السلبية نسبة أيضا.
فإن قلت: لازم ما ذكرت عدم ورود الإيجاب والسلب على شئ واحد، لأن لازمه ورود السلب على النسبة الإيجابية، فمفاد القضية الموجبة إثبات المحمول للموضوع،