ومما ذكرنا يتضح: أنه لا يلزم في القضية السالبة لحاظ ثبوت المحمول للموضوع، ثم سلبه عنه.
نعم: لا بد من لحاظ المحمول والموضوع في سلبه عنه، كما في إثباته له.
وأما لزوم خلو القضية عن النسبة، فليس بتال فاسد، فإن القضية على التحقيق لا تتقوم بالنسبة، وما يقال في مقام الفرق بين الإخبار والإنشاء: من أن الإخبار ما يكون لنسبته خارج تطابقه أو لا تطابقه (1) فكلام مسامحي معلوم البطلان، حتى في كثير من القضايا الموجبة فضلا عن السوالب كالهليات البسيطة، فإنه في قولنا: " زيد موجود " أو " الوجود موجود " أو " زيد زيد " لا يمكن أن يكون للنسبة خارج، للزوم تحقق الماهية في قبال الوجود، ولزوم توسط النسبة بين الشئ ونفسه، وكذا في الحمليات الغير المؤولة التي يكون مفادها الهوهوية، وفي القضايا السالبة مطلقا لا تكون نسبة، ولا للنسبة خارج بالضرورة، لما عرفت من أن مفادها قطع النسبة وسلب الربط، فما اشتهر بينهم: من أن القضية متقومة بالنسبة (2)، مما لا أصل له، وإن وقع في كلام أهل التحقيق والنظر لا بد وأن يحمل على قسم من الهليات المركبة الموجبة، فالقضية قول مفاده إما الهوهوية، أو ثبوت شئ لشئ، أو سلبه عنه، وذلك في بعض الهليات المركبة، أو ثبوت الشئ وسلبه، وهو في البسائط، ومناط قابليتها للصدق والكذب هو هذا الإثبات والسلب، فنفس تصور الموضوع أو المحمول أو النسبة أو سلبها لا يوجب صيرورة القضية قضية، وأما التصديق بأن هذا هذا أو ليس بهذا [فهو] موجب لتحقق القضية المعقولة، واللفظ الحاكي عنه الدال عليه هو القضية اللفظية، وقد عرفت كيفية حكايتها عن الواقع (3).