على وجوب الجمعة، لامكان الجمع بينهما. ولكن التنافي بينهما إنما هو من جهة الدليل الخارجي، وهو الاجماع والضرورة القاضية بعدم وجوب ست صلوات في يوم واحد، كما تقدم. فالصحيح إدخال المثال المذكور في التعارض دون التزاحم، وانحصار التزاحم بما إذا كان المكلف عاجزا عن امتثال الحكمين معا.
ثم إنه ينبغي التعرض لبعض مرجحات باب التزاحم، فنقول: إنهم ذكروا الترجيح أحد المتزاحمين على الاخر أمورا: (الأول) - كون أحدهما مما لا بدل له، فيرجح على ما يكون له البدل، سواء كان البدل طوليا أو عرضيا. والأول كالواجب الموسع، فإذا وقعت المزاحمة بينه وبين الواجب المضيق، وجب ترجيح المضيق بلا لحاظ الأهمية بينه وبين الموسع، بل ولو كان الموسع بمراتب من الأهمية بالنسبة إلى المضيق، كالصلاة بالنسبة إلى جواب السلام مثلا، فإنه لا شبهة في كونها من أهم الفرائض وعمود الدين كما في الخبر. ومع ذلك يجب تقديم جواب السلام عليها، لما لها من البدل الطولي باعتبار الزمان.
(الثاني) - أي ما كان له البدل العرضي، كالواجب التخييري، فإذا وقع التزاحم بينه وبين الواجب التعييني، وجب تقديم التعييني عليه، والاكتفاء بالبدل العرضي للواجب التخييري، كما إذا وجب على المكلف أحد الكفارات الثلاث تخييرا وكان عليه دين، ووقع التزاحم بين أدائه وبين الاطعام مثلا، فيجب تقديم الدين على الاطعام، لما له من البدل العرضي وهو الصيام.
وهذا الذي ذكروه من تقديم الواجب المضيق على الموسع، وتقديم الواجب التعييني على التخييري - وإن كان مما لا اشكال فيه - إلا أن ادراج المثالين - في التزاحم والحكم بأن التقديم المذكور إنما هو لترجيح أحد المتزاحمين على الاخر - ليس بصحيح، لما ذكرناه من أن ملاك التزاحم أن لا يكون المكلف متمكنا من امتثال