وقد ذكرنا في محله (1): أنه لا دليل على حجية الأصل المثبت، فإذا أصالة البراءة عن الحرمة في المقام لا تثبت الإطلاق - أي إطلاق دليل المأمور به - ليشمل المورد إلا على القول بالأصل المثبت.
نعم، لو قامت أمارة معتبرة: كخبر الثقة أو نحوه على ارتفاعها لكانت مثبتة للإطلاق لا محالة، لما ذكرناه في موضعه (2): من أن مثبتات الأمارات الحاكية عن الواقع - كأخبار الثقة أو ما شاكلها - حجة، إلا أن وجود مثل هذه الأمارة في محل الكلام مفروض العدم.
وأما النقطة الثالثة: فالمقام وإن لم يدخل في كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين من نقطة النظر في كون الشك في حرمة المجمع وعدم حرمته - كما عرفت - إلا أنه داخل في كبرى تلك المسألة من نقطة نظر آخر، وهي: أن أصل وجوب الصلاة - مثلا - على الفرض معلوم لنا، والشك إنما هو في تقييدها بغير هذا المكان، وعليه فلا محالة يدور الأمر بين أن يكون الواجب هو المطلق أو المقيد.
فإذا بناء على ما حققناه هناك من جريان البراءة عن التقييد الزائد تجري البراءة في المقام أيضا، فإن التقييد بما أنه كلفة زائدة دون الإطلاق فهو مدفوع بحديث " الرفع " أو نحوه، وبذلك يثبت الإطلاق الظاهري للمأمور به، إذ المفروض أن وجوب بقية أجزائه وشرائطه معلوم لنا، والشك إنما هو في تقييده بأمر زائد، فإذا رفعنا هذا التقييد بأصالة البراءة يثبت الإطلاق الظاهري بضم الأصل إلى أدلة الأجزاء والشرائط المعلومتين، وهو كاف للحكم بالصحة ظاهرا، لفرض انطباق المأمور به - عندئذ - على الفرد المأتي به في الخارج، ولا نعني بالصحة إلا ذلك.
وعليه، فنحكم بصحة الصلاة في مورد الاجتماع ظاهرا، لانطباق الطبيعة المأمور بها عليها في الظاهر بعد رفع تقييدها بغير هذا المكان بأصالة البراءة،