وهذا بخلاف الإطلاق في طرف دليل الأمر فإنه بدلي، وذلك لأن الأمر المتعلق بصرف الطبيعة من دون تقييدها بشئ يقتضي كون المطلوب هو صرف وجودها في الخارج بعد استحالة أن يكون المطلوب هو تمام وجودها. ومن المعلوم أن صرف الوجود يتحقق بأول الوجود، فيكون الوجود الثاني والثالث... وهكذا غير مطلوب، وهذا معنى كون الإطلاق في طرف الأمر بدليا وقد بينا السر في أن الإطلاق في طرف الأوامر المتعلقة بالطبائع بدلي، والإطلاق في طرف النواهي المتعلقة بها شمول في أول بحث النواهي بصورة مفصلة فلاحظ.
ولذلك - أي: لكون الإطلاق في طرف النهي شموليا وفي طرف الأمر بدليا - ذكروا: أن الإطلاق الشمولي يتقدم على الإطلاق البدلي في مقام المعارضة، وذهب إليه شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره)، وتبعه على ذلك شيخنا الأستاذ (قدس سره)، واستدل عليه بوجوه ثلاثة: وقد تقدمت تلك الوجوه مع المناقشة عليها بصورة مفصلة في بحث الواجب المشروط، وملخصها:
1 - إن تقديم الإطلاق البدلي على الإطلاق الشمولي يقتضي رفع اليد عن بعض مدلوله، وهذا بخلاف تقديم الإطلاق الشمولي على الإطلاق البدلي، فإنه لا يقتضي رفع اليد عن بعض مدلوله، لفرض أن مدلوله واحد وهو محفوظ، غاية الأمر أن ذلك يوجب تضييق دائرة انطباقه على أفراده.
2 - إن ثبوت الإطلاق البدلي يحتاج إلى مقدمة أخرى زائدا على كون المولى في مقام البيان وعدم نصب قرينة على الخلاف، وهي: إحراز تساوي أفراد المأمور به في الوفاء بالغرض ليحكم العقل بالتخيير بينها، وهذا بخلاف الإطلاق الشمولي، فإنه لا يحتاج إلى أزيد من المقدمات المعروفة المشهورة، وبتلك المقدمات يتم الإطلاق وسريان الحكم إلى جميع أفراده وإن كانت الأفراد مختلفة من جهة الملاك المقتضي لجعل الحكم عليها. ومن المعلوم أنه مع وجود الإطلاق الشمولي لا يمكن إحراز تساوي الأفراد في الوفاء بالغرض، وهذا معنى تقديم الإطلاق الشمولي على البدلي في مورد الاجتماع، لفرض عدم ثبوت الإطلاق له بالإضافة إلى هذا الفرد.