أما الأول: فقد ذكرنا في بحث مقدمة الواجب: أنه لا دليل على وجوب المقدمة شرعا.
وأما الثاني: فسيأتي عن قريب - إن شاء الله تعالى - أن الخروج ليس مصداقا لقاعدة رد المال إلى مالكه، فإذا لا دليل على كون الخروج واجبا. وأما حرمته - فهي مبنية على قاعدة الامتناع بالاختيار - لا تنافي الاختيار عقابا وخطابا، ولكن سيأتي - بيان: أن هذه القاعدة تنافي الخطاب، ضرورة أنه لا يمكن توجيه التكليف نحو العاجز ولو كان عجزه مستندا إلى سوء اختياره، لكونه لغوا محضا وصدور اللغو من الشارع الحكيم مستحيل، وكيف كان، فهذا القول غير معقول، وعلى تقدير كونه معقولا فلا دليل عليه كما عرفت.
وأما القول الثالث - وهو: كون الخروج واجبا فعلا ومحرما بالنهي السابق الساقط بالاضطرار أو نحوه - فهو وإن كان له - بحسب الظاهر - صورة معقولة ببيان: أن الخروج بما أنه تصرف في مال الغير بسوء اختياره فلا مانع من أن يعاقب عليه، لفرض أنه مبغوض للمولى وإن كان النهي عنه فعلا غير معقول لاستلزامه التكليف بالمحال، وبما أنه مصداق للتخلية ولرد المال إلى مالكه فلا مانع من كونه واجبا.
فالنتيجة: هي أن الخروج واجب فعلا ومنهي عنه بالنهي السابق، إلا أنه - بحسب الواقع والدقة العقلية - ملحق بالقولين الأولين في الفساد.
والوجه في ذلك: هو أن تعلق الأمر والنهي بشئ واحد محال وإن كان زمان تعلق أحدهما غير زمان تعلق الآخر به، فإن ملاك استحالة تعلق الأمر والنهي بشئ واحد وإمكانه إنما هو بوحدة زمان المتعلق وتعدده، ولا عبرة بوحدة زمان الإيجاب والتحريم وتعدده أصلا، بداهة أنه لا يعقل أن يكون شئ واحد في زمان واحد متعلقا للإيجاب والتحريم معا وإن فرض أن زمان الإيجاب غير زمان التحريم.
والسر في ذلك واضح، وهو: أن الفعل الواحد في زمان واحد: إما أن يكون مشتملا على مصلحة ملزمة، وإما أن يكون مشتملا على مفسدة كذلك.