الكلية - وهي: عدم جريان التزاحم في الموارد المتقدمة - وإن كان صحيحا ضرورة أن تلك الموارد من موارد المعارضة بين الدليلين في مقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد، لا من موارد التزاحم بين الحكمين، لما عرفت: من استحالة جعلهما في هذه الموارد مطلقا ولو على نحو التخيير (1)، إلا أن تلك الكبرى لا تنطبق على المقام فإنه ليس من صغرياتها ومصاديقها، وذلك لأن المقام إنما يكون من إحدى صغريات هذه الكبرى إذا فرض قيام مصلحة بطبيعي صوم يوم عاشوراء، فعندئذ لا ثالث بين فعله وتركه. ومن المعلوم أنه إذا لم يكن بينهما ثالث فلا محالة لا تعقل المزاحمة بينهما كما تقدم.
ولكن الأمر ليس كذلك، فإن المصلحة إنما قامت بحصة خاصة منها، وهي الحصة العبادية، لا بمطلق وجود الفعل في الخارج والترك. وعليه، فلهما ثالث وهو الحصة غير العبادية، فإنه لا مصلحة في فعلها ولا في تركها. فإذا لا مانع من جعل الحكمين لهما، غاية الأمر - عندئذ - تقع المزاحمة بينهما في مقام الامتثال فيدخل في كبرى مسألة المستحبين المتزاحمين، لفرض أن المكلف - عندئذ - قادر على تركهما والإتيان بالفعل المجرد عن قصد القربة، وغير قادر على الجمع بينهما كما هو مناط التزاحم في كل متزاحمين، سواء أكانا واجبين أم مستحبين.
وعلى الجملة: فلا شبهة في أن المستحب إنما هو خصوص الحصة الخاصة من الصوم، وهي الحصة التي يعتبر فيها قصد القربة، وأما ترك هذه الحصة بخصوصها فلا رجحان فيه، بل الرجحان في ترك الإمساك مطلقا والإفطار خارجا، فإن فيه مخالفة لبني أمية، فالمكلف إذا صام بقصد القربة أو أفطر فقد أتى بأمر راجح، وأما إذا أمسك بغير قربة فقد ترك كلا الأمرين الراجحين.
وعليه، فلا محالة تقع المزاحمة بين استحباب الفعل واستحباب الترك، لفرض تمكن المكلف من ترك امتثال كليهما معا والإتيان بمطلق الفعل من دون قصد