نعم، فرق بينهما من ناحية أخرى، وهي: أن الصلاة بناء على الصورة الثانية متقيدة بترك كل فرد من أفراد هذه الطبائع في الخارج على نحو الاستقلال، وبناء على الصورة الثالثة متقيدة بمجموع تروك أفراد هذه الطبائع في الخارج بنحو الارتباط. وعليه، فيكون ترك هذا الفرد المشتبه على تقدير كونه نجسا - مثلا - في الواقع تركا لمانع مستقل على الصورة الثانية، وجزءا من التروك المطلوبة على الصورة الثالثة.
ومن هنا يظهر: أنه لا ثمرة بين هاتين الصورتين من هذه الناحية أصلا.
ونتيجة ما ذكرناه هي: أنه مع قطع النظر عما ذكرناه من الأصل الموضوعي في مسألة اللباس المشكوك فيه يرتكز جواز الصلاة فيه على القول بجريان البراءة في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، فإن قلنا بالبراءة فيها - كما هو الصحيح - تجوز الصلاة فيه، سواء كانت مانعية ما لا يؤكل لحمه انحلالية أم غير انحلالية.
وإن لم نقل بالبراءة فيها فلا تجوز الصلاة فيه كذلك، أي: سواء كانت مانعيته انحلالية أم لم تكن.
ومن ذلك يظهر فساد ما قد يتوهم: أن جواز الصلاة في اللباس المشكوك كونه مما لا يؤكل يبتني على أن تكون ما نعيته انحلالية، وأما إذا لم تكن انحلالية فلا تجوز الصلاة فيه. ووجه الظهور: ما عرفت من أن مانعيته سواء أكانت انحلالية أم لم تكن فعلى كلا التقديرين تدخل هذه المسألة - أعني: مسألة اللباس المشكوك - في كبرى تلك المسألة، أي: مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، فلا فرق بين الصورتين من هذه الناحية أصلا. وعليه فيبتنى جريان البراءة أو الاحتياط فيها على جريان البراءة أو الاحتياط في تلك المسألة، لا على الانحلالية وعدمها، فلا أثر لهما في المقام أصلا.
نعم، إنما يكون أثر لهما - أي: للانحلال وعدمه - في التكاليف الاستقلالية، لا في التكاليف الضمنية كما في المقام، فإنه لا أثر لكون تروك هذه الطبيعة ملحوظة على نحو الانحلال في مقام جعل الحكم أو على نحو العموم المجموعي، فإنها على كلا الفرضين داخلة في كبرى تلك المسألة كما مر.