لغو محض فلا يصدر من الحكيم. فإذا لا محالة: إما أن يراد نفي جميع أفراده، أو نفي بعضها الخاصة. وحيث إن الثاني يحتاج إلى قرينة تدل عليه فمقتضى الإطلاق هو الأول، وهو إرادة نفي الجميع.
وكذا قوله تعالى: " فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج " (1) وقوله (عليه السلام):
" لا صلاة إلا بطهور " (2)، وقوله (عليه السلام): " لا سهو للإمام إذا حفظ عليه من خلفه، ولا سهو للمأموم إذا حفظ عليهم الإمام " (3) وغير ذلك من الجملات، سواء كانت في مقام الإخبار أو الانشاء - أي سواء كانت كلمة " لا " النافية بمعناها أو بمعنى النهي - فإنه على كلا التقديرين مقتضى الإطلاق فيها هو العموم الشمولي دون البدلي، وذلك ضرورة أنه لا يمكن أن يريد المولى من النفي أو النهي نفي فرد ما أو النهي عنه، لأنه لغو محض فلا يصدر من الحكيم.
فإذا لا محالة يدور الأمر بين أن يراد منه نفي جميع أفراد الطبيعة، أو النهي عن جميعها، أو نفي بعضها المعين، أو النهي عنه كذلك.
وحيث إن إرادة الثاني تحتاج إلى قرينة فإذا لم تكن قرينة في البين يتعين إرادة الأول لا محالة. وهذا معنى كون نتيجة مقدمات الحكمة فيها شموليا، وأنها تكشف عن الإطلاق في مقام الثبوت.
عدة خطوط فيما ذكرناه.
الأول: أن النهي موضوع للدلالة على إبراز اعتبار المولى حرمان المكلف عن الفعل في الخارج، كما أن الأمر موضوع للدلالة على إبراز اعتبار المولى الفعل على ذمة المكلف. ومن هنا يصح تفسير النهي بالحرمة والأمر بالوجوب باعتبار دلالة الأول على حرمان المكلف عن الفعل، والثاني على ثبوته في ذمته.