فإذا يتعين الثاني. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أنه لا خصوصية لهذه الموارد التي وردت فيها تلك الأوامر، فإذا بطبيعة الحال يتعدى منها إلى غيرها، والقول بوجوب المقدمة مطلقا.
ولنأخذ بالنقد عليه، وهو: أن الأوامر المزبورة مفادها إرشاد إلى شرطية شئ دون الوجوب المولوي الغيري، ويدلنا على ذلك أمران:
الأول: أن المتفاهم العرفي من أمثال تلك الأوامر هو الإرشاد دون المولوية.
الثاني: ورود مثل هذه الأوامر في أجزاء العبادات، كالصلاة ونحوها والمعاملات، ومن الطبيعي أن مفادها هو الإرشاد إلى الجزئية، لا الوجوب المولوي الغيري، كيف؟ حيث قد تقدم أن الجزء لا يقبل الوجوب الغيري.
الثالث: ما جاء به المحقق صاحب الكفاية (1)، وشيخنا الأستاذ (2) (قدس سرهما): من أن الوجدان أصدق شاهد على ذلك، فإن من اشتاق إلى شئ وأراده فبطبيعة الحال إذا رجع إلى وجدانه والتفت إلى ما يتوقف عليه ذلك الشئ اشتاق إليه كاشتياقه إلى نفس الواجب، ولا فرق من هذه الجهة بين الإرادة التكوينية والإرادة التشريعية وإن كانتا مختلفتين من حيث المتعلق.
والجواب عنه: أنه إن أريد من الإرادة الشوق المؤكد الذي هو من الصفات النفسانية الخارجة عن اختيار الإنسان وقدرته غالبا ففيه - مضافا إلى أن اشتياق النفس إلى شئ البالغ حد الإرادة إنما يستلزم الاشتياق إلى خصوص مقدماته الموصلة لو التفت إليها لا مطلقا - أن الإرادة بهذا المعنى ليست من مقولة الحكم في شئ، ضرورة أن الحكم فعل اختياري للشارع وصادر عنه باختياره وإرادته.
وإن أريد منها الاختيار وإعمال القدرة نحو الفعل فهي بهذا المعنى، وإن كانت من مقولة الأفعال إلا أن الإرادة التشريعية بهذا المعنى باطلة، وذلك لما تقدم بشكل موسع من استحالة تعلق الإرادة بهذا المعنى، أي: إعمال القدرة بفعل الغير (3).