وغير خفي أن عدم إيجاب الشارع المقدمة مع إيجابه ذيها لا يستلزم أحد هذين المحذورين أبدا. والسبب في ذلك: ما تقدم من أنه يكفي في القدرة على ذي المقدمة القدرة على مقدمته، فلا تتوقف على الإتيان بها خارجا، ولا على وجوبها شرعا، بداهة أنه لا صلة لوجوب المقدمة بالقدرة على ذيها (1). هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن الشارع وإن لم يوجب المقدمة إلا أن العقل يستقل بلا بدية الإتيان بها بحيث لو لم يأت بها وأدى ذلك إلى ترك ذي المقدمة لكان عاصيا بنظر العقل واستحق العقاب على مخالفته، لفرض أنه خالف تكليف المولى باختياره.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي أنه لا يلزم من بقاء وجوب ذي المقدمة بحاله تكليف بما لا يطاق، لما عرفت من أنه مقدور في هذا الحال، وعليه فلا موجب للانقلاب أصلا.
والحاصل: أن ترخيص المولى بترك المقدمة معناه: أنه لا يعاقب عليه، لا أنه لا يعاقب على ترك ذيها بعد تمكن المكلف من الإتيان بمقدماته.
الثاني: ما عن المحقق صاحب الكفاية (2) (قدس سره): من أن الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات تدلنا على إيجاب المقدمة حين إرادة ذيها، مثل قوله تعالى:
* (إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق... إلى آخره) * (3)، وقوله (عليه السلام): " اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه " (4) وما شاكل ذلك، ومن الواضح أنه لابد من أن يكون لهذه الأوامر ملاك، وهو لا يخلو من أن يكون غير ملاك الواجب النفسي، أو يكون هو المقدمية.
فعلى الأول يلزم أن تكون تلك الأوامر أوامر نفسية، وهو خلاف الفرض،