للمقدمة وبين الوجوب النفسي الثابت لذيها وإن لم نقل بوجوب المقدمة أصلا، فالتزاحم في المثال المزبور إنما هو بين وجوب إنقاذ الغريق وحرمة التصرف في الأرض المغصوبة، سواء أكانت المقدمة واجبة أم لا.
وبكلمة أخرى: أن التزاحم المذكور لا يتوقف على القول بوجوب المقدمة، فإنه سواء قلنا بوجوبها مطلقا أو خصوص الموصلة منها أو ما يقصد به التوصل إلى الواجب أم لم نقل به أصلا على الاختلاف في المسألة فالتزاحم بينهما موجود.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن الواجب في المقام بما أنه أهم من الحرام فبطبيعة الحال ترتفع حرمته، فالسلوك في الأرض المغصوبة عندئذ إذا وقع في طريق الإنقاذ لا يكون محرما، بداهة أنه لا يعقل بقاؤه على حرمته مع توقف الواجب الأهم عليه، ولا فرق في ارتفاع الحرمة عنه، أي: عن خصوص هذه الحصة من السلوك بين أن يكون الآتي به قاصدا التوصل به إلى الواجب المذكور أم لا، غاية الأمر إذا لم يكن قاصدا به التوصل كان متجريا، وأما إذا لم يقع السلوك في طريق الإنقاذ فتبقى حرمته على حالها، ضرورة أنه لا موجب ولا مقتضى لارتفاعها أصلا، فإن المقتضي لذلك إنما هو توقف الواجب الأهم عليه، والمفروض أنه ليس هذه الحصة من السلوك مما يتوقف عليه الواجب المزبور كي ترتفع حرمته.
نعم، لو قصد المكلف به التوصل إلى الواجب ولكنه لمانع لم يترتب عليه في الخارج كان عندئذ معذورا فلا يستحق العقاب عليه.
نعم، بناء على القول بوجوبها تقع المعارضة بينه وبين حرمتها، وذلك لما عرفت من أن عنوان المقدمة عنوان تعليلي فلا يكون موضوعا لحكم، وعليه فبطبيعة الحال يرد الوجوب والحرمة على موضوع واحد ويتعلقان بشئ فارد (1).
وعلى هذا الضوء فإن قلنا بوجوب خصوص المقدمة الموصلة سقطت الحرمة عنها فحسب، فإذا نتيجة القول بالتعارض والتزاحم واحدة، وهي سقوط الحرمة