الثاني: أن متعلقات التكاليف سواء أكانت تعبدية أم كانت توصلية لا تقع على صفة الوجوب ومصداقا للواجب بما هو واجب إلا إذا أتى به عن قصد وعمد حتى في التوصليات.
والسبب في ذلك: أن التكليف تعبديا كان أو توصليا لا يتعلق إلا بالفعل الاختياري، فالغسل الصادر بلا اختيار وإن كان مطابقا لذات الواجب ومحصلا لغرضه إلا أنه لا يقع مصداقا للواجب بما هو واجب، بل يستحيل أن يتعلق الوجوب بمثله فكيف يكون مصداقا له؟
وعلى ذلك فالواجب بحكم العقل بما أنه عنوان المقدمة لا ذاتها فمن الطبيعي أن المكلف إذا أتى بها بداعي المقدمية والتوصل فقد تحقق ما هو مصداق للواجب خارجا بما هو واجب، وإن لم يأت بها كذلك لم يتحقق ما هو مصداق للواجب كذلك وإن تحقق ما هو محصل لغرضه (1).
فالنتيجة على ضوء هذين الأمرين: أن الواجب هو المقدمة بعنوان التوصل، لا ذاتها، فإذا تم ما أفاده شيخنا العلامة الأنصاري (قدس سره).
ولنأخذ بالنقد على كلا الأمرين:
أما الأمر الأول فلأن ما أفاده (قدس سره) من أن الجهات التعليلية في الأحكام العقلية ترجع إلى الجهات التقييدية وإن كان في نهاية الصحة والمتانة إلا أنه أجنبي عن محل الكلام في المقام، وذلك لما تقدم في أول البحث من أن وجوب المقدمة عقلا بمعنى اللابدية خارج عن مورد النزاع، وغير قابل للإنكار، وإنما النزاع في وجوبها شرعا الكاشف عنه العقل (2)، وكم فرق بين الحكم الشرعي الذي كشف عنه العقل والحكم العقلي! وقد عرفت أن الجهات التعليلية في الأحكام الشرعية لا ترجع إلى الجهات التقييدية (3)، فما أفاده (قدس سره) لا ينطبق على محل النزاع.