الفرض لا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عقلا ونقلا.
بيان ذلك: هو أن المكلف لا يعلم بوجوب فعلي على كل تقدير، فإنه على تقدير وجوبه نفسيا وإن كان فعليا، إلا أنه على تقدير وجوبه الغيري فلا يكون بفعلي، لعدم فعلية وجوب ذيه، ومعه لا محالة يشك في الوجوب الفعلي، ومن الطبيعي أن المرجع في مثله هو البراءة الشرعية والعقلية.
وهذا هو مراد المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من الرجوع إلى البراءة فيه (1)، لا الوجه الثاني الآتي كما نسب إليه شيخنا الأستاذ (2) (قدس سره).
الثاني: ما إذا علم المكلف بوجوب شئ فعلا وتردد بين أن يكون نفسيا أو غيريا، وهو يعلم أنه لو كان غيريا ومقدمة لواجب آخر فوجوب ذلك الواجب فعلي يتوقف حصوله على تحقق ذلك الشئ في الخارج، ومثاله: هو ما إذا علم المكلف - مثلا - بتحقق النذر منه ولكن تردد متعلقه بين الوضوء والصلاة، فإن كان الأول فالوضوء واجب نفسا، وإن كان الثاني فإنه واجب غيرا ففي مثل ذلك يعلم المكلف بوجوب الوضوء على كل تقدير، ولا يمكن له الرجوع إلى البراءة عن وجوبه، لفرض علمه التفصيلي به، ولا أثر لشكه في النفسي والغيري أصلا.
وإنما الكلام في جواز الرجوع إلى البراءة عن وجوب الصلاة وعدم جوازه.
الصحيح: هو الأول، والسبب في ذلك: هو أن المكلف وإن علم إجمالا بوجوب نفسي مردد بين تعلقه بالصلاة أو الوضوء إلا أن العلم الإجمالي إنما يكون مؤثرا فيما إذا تعارضت الأصول في أطرافه، وأما إذا لم تتعارض فيها فلا أثر له.
وبما أن أصالة البراءة في المقام لا تجري بالإضافة إلى وجوب الوضوء، لفرض العلم التفصيلي به واستحقاق العقاب على تركه على كلا التقديرين - أي: سواء أكان وجوبه نفسيا أم كان غيريا - فلا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الصلاة، للشك فيه وعدم قيام حجة عليه، ومعه لا محالة يكون العقاب على تركها عقابا بلا بيان وحجة.