وغير خفي أنه لا شبهة في بطلان النقطة المذكورة، وأنه لا واقع موضوعي لها أصلا، والسبب في ذلك واضح، وهو: أن سلطنته تعالى وإن كانت تامة من كافة الجهات ولا يتصور النقص فيها أبدا إلا أن مرد هذا ليس إلى وجوب صدور الفعل منه واستحالة انفكاكه عنه، كوجوب صدور المعلول عن العلة التامة، بل مرده إلى أن الأشياء بكافة أشكالها وأنواعها تحت قدرته وسلطنته التامة، وأنه تعالى متى شاء إيجاد شئ أوجده بلا توقف على أية مقدمة خارجة عن ذاته وإعمال قدرته حتى يحتاج في ايجاده إلى تهيئة تلك المقدمة، وهذا معنى السلطنة المطلقة التي لا يشذ شئ عن إطارها.
ومن البديهي أن وجوب وجوده تعالى ووجوب قدرته، وأنه تعالى وجود كله، ووجوب كله، وقدرة كله لا يستدعي ضرورة صدور الفعل منه في الخارج، وذلك لأن الضرورة ترتكز على أن يكون إسناد الفعل إليه تعالى كإسناد المعلول إلى العلة التامة، لا إسناد الفعل إلى الفاعل المختار. فلنا دعويان:
الأولى: أن إسناد الفعل إليه ليس كإسناد المعلول إلى العلة التامة.
الثانية: أن إسناده إليه كإسناد الفعل إلى الفاعل المختار.
أما الدعوى الأولى: فهي خاطئة عقلا ونقلا.
أما الأول: فلأن القول بذلك يستلزم في واقعه الموضوعي نفي القدرة والسلطنة عنه تعالى، فإن مرد هذا القول إلى أن الوجودات بكافة مراتبها الطولية والعرضية موجودة في وجوده تعالى بنحو أعلى وأتم، وتتولد منه على سلسلتها الطولية تولد المعلول عن علته التامة، فإن المعلول من مراتب وجود العلة النازلة، وليس شيئا أجنبيا عنه، مثلا: الحرارة من مراتب وجود النار وتتولد منها، وليست أجنبية عنها...، وهكذا.
وعلى هذا الضوء فمعنى علية ذاته تعالى للأشياء: ضرورة تولدها منها وتعاصرها معها، كضرورة تولد الحرارة من النار وتعاصرها معها، ويستحيل انفكاكها عنها. غاية الأمر أن النار علة طبيعية غير شاعرة، ومن الواضح أن الشعور