(لا ريب في أن مفاهيم صفاته تعالى الذاتية متخالفة، لا متوافقة مترادفة وإن كان مطابقها في الخارج واحدا بالذات ومن جميع الجهات، مثلا: مفهوم العلم غير مفهوم الذات، ومفهوم بقية الصفات وإن كان مطابق الجميع ذاته بذاته لا شئ آخر منضما إلى ذاته، فإنه تعالى صرف الوجود، وصرف القدرة، وصرف العلم، وصرف الحياة، وصرف الإرادة، ولذا قالوا: " وجود كله، وقدرة كله، وعلم كله، وإرادة كله "، مع أن مفهوم الإرادة مغايرة لمفهوم العلم، ومفهوم الذات، وسائر الصفات. وليس مفهوم الإرادة العلم بالنظام الأصلح الكامل التام كما فسرها بذلك المحقق صاحب الكفاية (قدس سره)، ضرورة أن رجوع صفة ذاتية إلى ذاته - تعالى وتقدس - وإلى صفة أخرى كذلك إنما هو في المصداق، لا في المفهوم، لما عرفت من أن مفهوم كل واحد منها غير مفهوم الآخر. ومن هنا قال الأكابر من الفلاسفة:
إن مفهوم الإرادة هو الابتهاج، والرضا، أو ما يقاربهما معنى، لا العلم بالصلاح والنظام، ويعبر عنه بالشوق الأكيد فينا. والسر في التعبير عن الإرادة فينا بالشوق المؤكد وبصرف الابتهاج والرضا فيه تعالى: هو أنا لمكان إمكاننا ناقصون في الفاعلية، وفاعليتنا لكل شئ بالقوة، فلذا نحتاج في الخروج من القوة إلى الفعل إلى مقدمات زائدة على ذواتنا من تصور الفعل، والتصديق بفائدته، والشوق الأكيد، فيكون الجميع محركا للقوة الفاعلة المحركة للعضلات، وهذا بخلاف الواجب تعالى فإنه لتقدسه عن شوائب الإمكان وجهات القوة والنقصان فاعل بنفس ذاته العليمة المريدة، وحيث إنه صرف الوجود وصرف الخير مبتهج بذاته أتم الابتهاج، وذاته مرضي لذاته أتم الرضا، وينبعث من هذا الابتهاج الذاتي - وهو الإرادة الذاتية - ابتهاج في مرحلة الفعل، فإن من أحب شيئا أحب آثاره، وهذه المحبة الفعلية هي الإرادة في مرحلة الفعل، وهي التي وردت الأخبار عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) بحدوثها) (1).