لوجب أن يعلم تفاصيلها، واللازم باطل. وأما الشرطية - أي: الملازمة - فلأن الأزيد والأنقص مما أتى به ممكن، إذ كل فعل من أفعاله يمكن وقوعه منه على وجوه متفاوتة بالزيادة والنقصان، فوقوع ذلك المعين منه دونهما لأجل القصد إليه بخصوصه، والاختيار المتعلق به وحده مشروط بالعلم به كما تشهد به البداهة، فتفاصيل الأفعال الصادرة عنه باختياره لابد أن تكون مقصودة معلومة. وأما بطلان اللازم فلأن النائم وكذا الساهي قد يفعل باختياره، كانقلابه من جنب إلى جنب آخر، ولا يشعر بكمية ذلك الفعل وكيفيته) (1).
والجواب عنه: أن دخل العلم والالتفات في صدور الفعل عن الفاعل بالاختيار أمر لا يعتريه شك ولم يختلف فيه اثنان، وبدون ذلك لا يكون اختياريا.
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن العلم المعتبر في ذلك إنما هو العلم بعنوان الفعل والالتفات إليه حين صدوره، بأن يعلم الإنسان أن ما يصدر عنه في الخارج ينطبق عليه عنوان شرب الماء مثلا، أو الصلاة، أو الصوم، أو الحج، أو قراءة القرآن، أو السفر إلى بلد، أو التكلم، أو ما شابه ذلك. ومن الواضح أنه لا يعتبر في صدور هذه الأفعال بالاختيار أزيد من ذلك، فإذا علم الإنسان بالصلاة بما لها من الأجزاء والشرائط وأتى بها كذلك فقد صدرت عنه بالاختيار وإن كان لا يعلم حقيقة أجزائها ودخولها تحت أية مقولة من المقولات.
فالنتيجة: أن ملاك صدور الفعل بالاختيار هو سبقه بالالتفات والتصور على نحو الإجمال في مقابل صدوره غفلة وسهوا.
وبعد ذلك نقول: إن أراد الأشعري من العلم بتفاصيل الأفعال العلم بكنهها وحقيقتها الموضوعية فيرده:
أولا: أن ذلك لا يتيسر لغير علام الغيوب، فإن حقائق الأشياء بكافة أنواعها