ومن الطبيعي أنه لا يختلف باختلاف متعلقه، فقد يكون متعلقه أمرا تكوينيا، وقد يكون أمرا تشريعيا، وقد يكون فعل الإنسان نفسه، وقد يكون فعل غيره، وتسمية الأول بالإرادة التكوينية والثاني بالتشريعية لا تتعدى عن مجرد الاصطلاح بلا واقع موضوعي لها أصلا.
وأما على الثاني فواضح، ضرورة أن إعمال القدرة لا يختلف باختلاف متعلقها، فإن متعلقها سواء كان من التشريعيات أو التكوينيات فهو واحد حقيقة وذاتا.
فتحصل: أنا لا نعقل للإرادة التشريعية معنى محصلا في مقابل الإرادة التكوينية.
نعم، قد يقال كما قيل: إن المراد منها: الطلب والبعث باعتبار أنه يدعو المكلف إلى إيجاد الفعل في الخارج.
وفيه: أن تسمية ذلك بالإرادة التشريعية وإن كان لا بأس بها إلا أنه لا يمكن ترتب أحكام الإرادة التكوينية عليه، بداهة أنه أمر اعتباري فلا واقع موضوعي له ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار، فلا يقاس هذا بالإرادة والاختيار أصلا، ولا جامع بينهما حتى يوجب تسرية حكم أحدهما إلى الآخر، فعدم تعلق الإرادة بالأمر المتأخر زمنا لا يستلزم عدم تعلقه به أيضا. وقد تقدم أن ما اعتبره المولى قد يكون متعلقه حاليا، وقد يكون استقباليا، وقد يكون كلاهما استقباليا، وذلك كما إذا اعتبر شخص ملكية منفعة داره - مثلا - لآخر بعد شهر فإن المعتبر - وهو الملكية - ومتعلقه - وهو المنفعة - كليهما استقبالي، والحالي إنما هو الاعتبار فحسب، وهذا ربما يتفق وقوعه في باب الإجارة، وفي باب الوصية، كالوصية بالملك بعد الموت. ومن الواضح أنه لا فرق في ذلك بين الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية (1).
وقد تحصل من ذلك: أن في تسرية أحكام الإرادة على الطلب والبعث مغالطة