- وهي التي توجب هيجانها وميلها إليه إلى أن يبلغ حد العزم والجزم - فقد تقدم في ضمن البحوث السالفة: أن الشوق النفساني كما يتعلق بأمر حالي كذلك يتعلق بأمر استقبالي، وهذا لا يحتاج إلى إقامة برهان، بل هو أمر وجداني ضروري يعلمه كل ذي وجدان بمراجعة وجدانه، بل ولا مانع من تعلقه بالأمر الممتنع، كالجمع بين الضدين، أو النقيضين، أو ما شاكل ذلك، فضلا عن الأمر الممكن المتأخر، كاشتياق الإنسان إلى دخول الجنة والتلبس (1) بالملاذ الأخروية (2). هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: قد ذكرنا سابقا بشكل موسع: أن الإرادة بهذا المعنى مهما بلغت ذروتها من القوة والشدة لا تكون علة تامة لتحريك العضلات نحو الفعل (3).
وإن أريد بها الاختيار وإعمال القدرة فقد سبق الكلام في ذلك بصورة موسعة وأنها لا تتعلق بفعل الغير، بلا فرق بين اختياره - عز وجل - وإعمال قدرته واختيار غيره (4).
نعم، له تعالى إيجاد الفعل عن الغير بإيجاد أسبابه، ولكنه أجنبي عن تعلق مشيئته تعالى واختياره به مباشرة، بل قد عرفت أنها لا تتعلق بفعل الإنسان نفسه إذا كان في زمن متأخر فضلا عن فعل غيره، ومن هنا لا يمكن تعلقها بالمركب من أجزاء طولية زمنا وتدريجية وجودا دفعة واحدة إلا على نحو تدريجية أجزائه، وذلك كالصلاة - مثلا - فإنه لا يمكن إعمال القدرة على القراءة قبل التكبيرة...، وهكذا (5). هذا من جانب.
ومن جانب آخر: قد سبق منا، أيضا: أنه لا أصل للإرادة التشريعية في مقابل الإرادة التكوينية، سواء كانت الإرادة بمعنى الشوق النفساني أو بمعنى الاختيار وإعمال القدرة (6).
أما على الأول: فلأن الإرادة عبارة عن ذلك الشوق الحاصل في أفق النفس،