والتشريعية، إذ لا فرق بينهما إلا في أن الأولى تتعلق بفعل نفس المريد، والثانية تتعلق بفعل غيره. ومن المعلوم أن الإيجاب والطلب بإزاء الإرادة المحركة للعضلات نحو المراد، فكما أن الإرادة التكوينية لا تنفك عن المراد زمنا - حيث إنها لا تنفك عن التحريك، وهو لا ينفك عن الحركة خارجا وإن تأخرت عنه رتبة - فكذلك الإرادة التشريعية لا تنفك عن الإيجاب زمنا، وهو غير منفك عن تحريك العبد في الخارج، ولازم ذلك استحالة تعلق الإيجاب بأمر استقبالي، لاستلزامه انفكاك الإيجاب عن التحريك وهو مستحيل، وبما أن الالتزام بالواجب المعلق يستلزم ذلك فلا محالة يكون محالا.
وأجاب صاحب الكفاية (قدس سره) عن ذلك بما هو لفظه: (قلت فيه: إن الإرادة تتعلق بأمر متأخر استقبالي، كما تتعلق بأمر حالي، وهو أوضح من أن يخفى على عاقل فضلا عن فاضل، ضرورة أن تحمل المشاق في تحصيل المقدمات فيما إذا كان المقصود بعيدة المسافة وكثيرة المؤنة ليس إلا لأجل تعلق إرادته به، وكونه مريدا له قاصدا إياه لا يكاد يحمله على التحمل إلا ذلك.
ولعل الذي أوقعه في الغلط ما قرع سمعه من تعريف الإرادة بالشوق المؤكد المحرك للعضلات نحو المراد، وتوهم أن تحريكها نحو المتأخر مما لا يكاد. وقد غفل عن أن كونه محركا نحوه يختلف حسب اختلافه في كونه مما لا مؤنة له كحركة نفس العضلات، أو مما له مؤنة ومقدمات قليلة أو كثيرة، فحركة العضلات تكون أعم من أن تكون بنفسها مقصودة أو مقدمة له، والجامع أن يكون نحو المقصود، بل مرادهم من هذا الوصف في تعريف الإرادة بيان مرتبة الشوق الذي يكون هو الإرادة وإن لم يكن هناك فعلا تحريك، لكون المراد وما اشتاق إليه كمال الاشتياق أمرا استقباليا غير محتاج إلى تهيئة مؤنة أو تمهيد مقدمة، ضرورة أن شوقه إليه ربما يكون أشد من الشوق المحرك فعلا نحو أمر حالي أو استقبالي محتاج إلى ذلك.
هذا، مع أنه لا يكاد يتعلق البعث إلا بأمر متأخر عن زمان البعث، ضرورة أن