وإن أراد بالطلب ما تعلق به الاعتبار - وهو المعتبر المعبر عنه بالوجوب تارة، وبالالزام تارة أخرى - فصريح الوجدان شاهد على أنه قابل للتقيد، كما أنه قابل للإطلاق، وأن الحال يختلف فيه باختلاف الموارد من هذه الناحية.
بيان ذلك: أن الفعل الذي هو متعلق للوجوب مرة يكون ذا ملاك ملزم فعلا، فلا يتوقف اشتماله على الملاك المذكور واتصافه بالحسن على شئ من زمان أو زماني، ففي مثل ذلك بطبيعة الحال الوجوب المتعلق به فعلي فلا حالة منتظرة له أبدا وإن كان تحقق الفعل في الخارج وإيجاده فيه يتوقف على مقدمات، وذلك كشرب الدواء - مثلا - للمريض فإنه ذو ملاك ملزم بالإضافة إليه فعلا وإن كان تحققه في الخارج يتوقف على الإتيان بعدة مقدمات، وكالصلاة بعد دخول وقتها فإنها واجدة للملاك الملزم بالفعل وإن كان الإتيان بها في الخارج يتوقف على عدة أمور: كتطهير الثوب والبدن، والوضوء أو الغسل أو نحو ذلك.
وكذلك الحال فيما إذا كان الملاك فيه تاما، ولكن وجوده وتحققه في الخارج يتوقف على مقدمات خارجة عن اختيار المكلف، وذلك كالمريض مثلا، حيث إن ملاك شرب الدواء في حقه تام ولا حالة منتظرة له، ولكن تحصيله فعلا غير ممكن لمانع خارجي من زمان أو زماني، ففي مثل ذلك لا مانع من كون الإيجاب حاليا والواجب استقباليا.
ولعل من هذا القبيل: وجوب الصوم بعد دخول شهر رمضان بمقتضى الآية الكريمة: * (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) * (1) فإن الظاهر منها هو أن وجوب الصوم فعلي بعد دخول الشهر، وهذا لا يمكن إلا بالالتزام بتمامية ملاكه من الليل بحيث لو تمكن المكلف من جر اليوم إلى الساعة لكان عليه أن يصوم، وكذا الحال في وجوب الحج بعد حصول الاستطاعة، فإن الظاهر من قوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (2) هو أن وجوب الحج فعلي بعد فعلية الاستطاعة وإن كان المكلف غير قادر على الإتيان به إلا بعد مجئ زمانه وهو