والسبب في ذلك: هو أن المراد من الإيجاب سواء أكان إبراز الأمر الاعتباري النفساني أم كان نفس ذلك الأمر الاعتباري فعلى كلا التقديرين لا يلزم محذور من رجوع القيد إلى مفاد الهيئة.
أما على الأول: فلأن كلا من الإبراز والمبرز والبروز فعلي فليس شئ منها معلقا على أمر متأخر، وهذا ظاهر.
وأما على الثاني: فلأن الاعتبار بما أنه من الأمور النفسانية التعلقية - يعني:
ذات الإضافة، كالعلم والشوق وما شاكلهما من الصفات الحقيقية التي تكون كذلك - فلا مانع من تعلقه بأمر متأخر، كما يتعلق بأمر حالي، نظير العلم فإنه كما يتعلق بأمر حالي كذلك يتعلق بأمر استقبالي.
وعلى الجملة: فكما يمكن تأخر المعلوم عن العلم زمنا - كقيام زيد غدا، أو سفره، أو نحو ذلك حيث إن العلم به حالي والمعلوم أمر استقبالي - فكذلك يمكن تأخر المعتبر عن الاعتبار بأن يكون الاعتبار حاليا والمعتبر أمرا متأخرا، كاعتبار وجوب الصوم على زيد غدا أو نحو ذلك، فالتفكيك إنما هو بين الاعتبار والمعتبر، ولا محذور فيه أصلا، ولا يقاس ذلك بالتفكيك بين الإيجاد والوجود في التكوينيات أصلا.
ومما يشهد لما ذكرناه: صحة الوصية التمليكية، فلو قال الموصي: " هذه الدار لزيد بعد وفاتي " فلا شبهة في تحقق الملكية للموصى له بعد وفاته، مع أن الاعتبار فعلي، ومن البديهي أن هذا ليس إلا من ناحية أن الموصي اعتبر فعلا الملكية للموصى له في ظرف الوفاة. ومن هنا لم يستشكل أحد في صحة تلك الوصية، حتى من القائلين برجوع القيد إلى المادة دون الهيئة.
وتوهم أن الملكية فعلية ولكن المملوك - وهو العين الخارجية - مقيدة بما بعد الوفاة خاطئ جدا، فإنه يقوم على أساس قابلية تقيد الجواهر بالزمان، ومن المعلوم أن الجواهر غير قابلة لذلك. نعم، يمكن هذا في الأعراض القائمة بها، كما إذا اعتبر المالك ملكية المنفعة المتأخرة حالا.