ونظير ذلك: ما إذا افترضنا قيام دليل على أن القبول المتأخر بزمن مؤثر في صحة العقد من حين الإيجاب فإنه - عندئذ - لا مناص من الالتزام بحصول الملكية من هذا الحين، وإن كان ظرف اعتبارها بمقتضى أدلة الإمضاء من حيث القبول إلا أن ذلك مجرد افتراض فلا واقع موضوعي له، على أنه خلاف المرتكز في أذهان العرف والعقلاء، وذلك بخلاف الإجازة اللاحقة، فإن كونها شرطا متأخرا كان على طبق القاعدة وموافقا للارتكاز، فلا نحتاج إلى دليل.
ومن هنا قد التزمنا في مسألة الفضولي بالكشف الحقيقي بهذا المعنى، وقلنا هناك: إن هذا لا يحتاج إلى دليل خاص (1).
كما أنا ذكرنا هناك: أنه لا تنافي بين اعتبار الشارع ملكية مال لشخص في زمان وبين اعتباره ملكيته لآخر في ذلك الزمان بعينه إذا كان زمان الاعتبار متعددا، فالعبرة في أمثال ذلك إنما هي بتعدد زماني الاعتبار وإن كان زمان المعتبرين واحدا، لعدم التنافي بينهما ذاتا (2)، وذلك لما حققناه في موطنه: من أن الأحكام الشرعية بأجمعها: التكليفية والوضعية أمور اعتبارية، فلا تنافي ولا تضاد بينها في أنفسها أصلا، وإنما التنافي والتضاد بينها من ناحية أخرى على تفصيل ذكرناه في محله (3).
وأما الثانية - وهي شرطية القدرة بوجودها المتأخر في الواجبات التدريجية - فلأن فعلية وجوب كل جزء سابق منها مشروطة ببقاء شرائط التكليف من الحياة والقدرة وما شاكلهما إلى زمان الإتيان بالجزء اللاحق. مثلا: فعلية وجوب التكبيرة في الصلاة مشروطة ببقاء المكلف على شرائط التكليف إلى زمان الإتيان بالتسليمة، لفرض أن وجوبها ارتباطي، فلا يعقل وجوب جزء بدون وجوب جزء آخر، فلو جن في الأثناء أو عجز عن إتمامها كشف ذلك عن عدم وجوبها من الأول.