موضوع مقيد بقيد فرض وجوده متقدما على فعلية الحكم مرة ومتأخرا عنها مرة أخرى، فإن كل ذلك بمكان من الوضوح، بعد ما عرفت من أنه لا واقع للحكم الشرعي ما عدا اعتبار من بيده الاعتبار فإذا كان أمره بيده وضعا ورفعا سعة وضيقا كان له جعله بأي شكل ونحو أراد وشاء، فلو كان جعله على الشكل الثالث فبطبيعة الحال تتقدم فعلية الحكم على فعلية موضوعه، كما أنه لو كان على الشكل الثاني تتأخر فعليته عن فعليته، وإلا لزم الخلف.
والسر فيه: أن المجعول في القضايا الحقيقية حصة خاصة من الحكم، وهي الحصة المقيدة بقيد فرض وجوده في الخارج لا مطلقا، ومن الطبيعي أن هذا القيد يختلف.
فمرة يكون قيدا لها بوجوده المتأخر مثل: أن يأمر المولى بإكرام زيد - مثلا - فعلا بشرط مجئ عمرو غدا فإن المجعول فيه هو حصة خاصة من الوجوب، وهو الحصة المقيدة بمجئ عمرو غدا، فإذا تحقق القيد في ظرفه كشف عن ثبوتها في موطنها، وإلا كشف عن عدم ثبوتها فيه.
ومرة أخرى بوجوده المتقدم، كما لو أمر بإكرام زيد غدا بشرط مجئ عمرو هذا اليوم.
ومرة ثالثة بوجوده المقارن، وذلك كقوله تعالى: * (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) * (1).
وبكلمة أخرى: بعد ما كان جعل الأحكام الشرعية بيد الشارع سعة وضيقا ورفعا ووضعا فكما أن له جعل الحكم معلقا على أمر مقارن كذلك له جعل الحكم معلقا على أمر متقدم عليه أو متأخر عنه. ومن المعلوم أن المولى إذا جعل الحكم معلقا بأمر متأخر عن وجوده فبطبيعة الحال تكون فعليته قبل وجود ذلك الأمر، وإلا لكانت الفعلية على خلاف الإنشاء، وهو خلف كما عرفت.
ومثال ذلك في العرفيات: الحمامات المتعارفة في زماننا هذا، فإن صاحب