بالإطلاق حتى يصلح للتقييد، ولأجل ذلك امتنع رجوع القيد إلى مفاد الهيئة (1).
ويرد عليه أولا: ما حققناه في مبحث الحروف بشكل موسع: من أن ذلك - أي المعنى الحرفي - ملحوظ باللحاظ الآلي، والمعنى الاسمي ملحوظ باللحاظ الاستقلالي وإن كان كلاما مشهوريا بين الأصحاب إلا أنه لا يبتنى على أصل صحيح. ومن ذلك ذكرنا هناك: أنه لا فرق بين المعنى الحرفي والمعنى الاسمي من هذه الناحية أبدا، بل ربما يكون مورد الالتفات والتوجه استقلالا هو خصوص المعنى الحرفي، وذلك كما إذا علمنا بورود زيد - مثلا - في بلد ونعلم أنه سكن في مكان، ولكن لا نعلم المكان بخصوصه فنسأل عن تلك الخصوصية التي هي معنى الحرف، أو إذا علمنا وجود زيد في الخارج وقيامه، ولكن لا نعلم خصوصية مكانه أو زمانه فنسأل عن تلك الخصوصية...، وهكذا ففي أمثال هذه الأمثلة المعنى الحرفي هو الملحوظ مستقلا والمورد للتوجه والالتفات كذلك. وقد تقدم تفصيل ذلك (2) فلاحظ.
وثانيا: على تقدير تسليم أن المعنى الحرفي لابد أن يلحظ باللحاظ الآلي إلا أنه إنما يمنع عن طرو التقييد عليه حين لحاظه كذلك. وأما إذا قيد المعنى أولا بقيد ثم لوحظ المقيد آليا فلا محذور فيه أبدا، وعليه فلا مانع من ورود اللحاظ الآلي على الطلب المقيد في رتبة سابقة عليه.
الثالثة: - وهي العمدة في المقام - أن رجوع القيد إلى مفاد الهيئة بما أنه مستلزم لتفكيك الإنشاء عن المنشأ والإيجاب عن الوجوب الذي هو مساوق لتفكيك الإيجاد عن الوجود فهو غير معقول، والسبب في ذلك: هو أنه لا ريب في استحالة تفكيك الإيجاد عن الوجود في التكوينيات حيث إنهما واحد ذاتا وحقيقة، والاختلاف بينهما إنما هو بالاعتبار فلا يعقل التفكيك بينهما، وكذا الحال في التشريعيات، بداهة أنه لا فرق في استحالة التفكيك بين الإيجاد والوجود في التشريع والتكوين.