وبكلمة أخرى: أن الموجودات التكوينية المتأصلة خاضعة لعللها الطبيعية فلا يتعلق بها جعل شرعي أصلا. وأما الموجودات الاعتبارية التي منها الأحكام الشرعية فهي خاضعة لاعتبار المعتبر، وأمرها بيده وضعا ورفعا، ولا تخضع لشئ من الموجودات التكوينية، وإلا لكانت تكوينية.
وعلى ضوء هذا البيان قد اتضح: أن موضوعات الأحكام الشرعية وإن كانت من الأمور التكوينية إلا أنه لا تأثير لها فيها أبدا، لا تأثير العلة في المعلول، ولا الشرط في المشروط، ولا السبب في المسبب، وإن اطلق عليها الشرط مرة، والسبب مرة أخرى إلا أن ذلك مجرد اصطلاح من الأصحاب على تسمية الموضوعات في الأحكام التكليفية بالشروط، وفي الأحكام الوضعية بالأسباب مع عدم واقع موضوعي لها. فيقولون: إن البلوغ شرط لوجوب الصلاة مثلا، والاستطاعة شرط لوجوب الحج، وبلوغ النصاب شرط لوجوب الزكاة... وهكذا، والبيع سبب للملكية، والموت سبب لانتقال المال إلى الوارث، وملاقاة النجس مع الرطوبة المسرية سبب لنجاسة الملاقي... وهكذا.
وقد قلنا في موطنه: إنه لم يظهر لنا وجه للتفرقة بين تسمية الأولى بالشروط والثانية بالأسباب أصلا، بداهة أن كلتيهما موضوع للحكم، فلا فرق بين الاستطاعة والبيع من هذه الناحية، فكما أن الشارع جعل وجوب الحج معلقا على فرض وجود الاستطاعة في الخارج فكذلك جعل الملكية معلقة على فرض وجود البيع فيه (1). هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أن فعلية الأحكام وإن كانت دائرة مدار فعلية موضوعاتها بتمام قيودها وشرائطها في الخارج إلا أن لازم ذلك ليس تقارنهما زمانا. والسبب فيه: هو أن ذلك تابع لكيفية جعلها واعتبارها، فكما يمكن للشارع جعل حكم على موضوع مقيد بقيد فرض وجوده مقارنا لفعلية الحكم يمكن له جعل حكم على