ترك جزء أو شرط منه يرتفع بمقتضى هذا الحديث. وأما الأجزاء الباقية التي تمكن المكلف منها فالحديث لا يدل على وجوبها، مثلا: إذا اضطر إلى ترك الطهارة المائية ارتفع عنه الوجوب المتعلق بالصلاة معها. وأما وجوب الإتيان بالصلاة مع الطهارة الترابية فهو يحتاج إلى دليل خاص، وحديث الاضطرار لا يدل على ذلك، وكذلك الحال في حديث النسيان وما شاكله.
وأضف إلى ذلك: أن حديث الاضطرار أو النسيان أو نحو ذلك إنما يكون رافعا للتكليف إذا تعلق بترك الواجب في مجموع الوقت. وأما إذا تعلق بتركه في بعض الوقت لا في مجموعه فلا أثر له، ولا يكون رافعا للتكليف، فإن ما تعلق به الاضطرار أو النسيان أو نحو ذلك لا يكون مأمورا به، وما هو مأمور به - وهو الطبيعي الجامع بين الأفراد الطولية والعرضية - لم يتعلق به فلا وجه لسقوط وجوبه.
ومن هنا يظهر حال مثل قوله (عليه السلام): " ما من شئ حرمه الله تعالى إلا وقد أحله عند الضرورة " (1)، وذلك لوضوح أنه لا يدل إلا على جواز ارتكاب ما تعلقت الضرورة به، وهو أجنبي عن المقام بالكلية.
وأما قاعدة " الميسور " أو ما شاكلها فمضافا إلى ما حققناه في محله من أنه لا أصل لهذه القاعدة وأنها قاصرة سندا ودلالة (2) فهي أجنبية عن المورد ولا صلة لها به أصلا، وذلك لعدم تحقق موضوعها، حيث إن المكلف على الفرض متمكن من الإتيان بالواجب في ضمن فرد كامل في أثناء الوقت بعد ارتفاع العذر، ومن المعلوم أنه مانع عن صدق عنوان المعسور عليه لتصل النوبة إلى ميسوره.
وعلى الجملة: فالواجب على المكلف - وهو طبيعي الصلاة مع الطهارة المائية مثلا - في مجموع الوقت المحدد له، ومن الطبيعي أن تمكنه من الإتيان به في ضمن فرد كامل يوجب عدم صدق المعسور في حقه، ليكون الفرد الاضطراري - وهو الصلاة مع الطهارة الترابية - ميسورا.