استحقاق العقاب على ترك تحصيله. ومن الطبيعي أن إدراكه هذا إنما هو في مورد قيام البيان عليه. وأما فيما لم يقم لم يدركه، بل يدرك قبحه، لأنه من العقاب بلا بيان، وعليه فلا مانع من جريان البراءة العقلية في موارد الشك في الغرض وعدم وصوله إلى المكلف. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: قد ذكرنا هناك: أن التفكيك بين أجزاء مركب واحد كالصلاة - مثلا - بحسب الحكم لا يمكن، لا في مرحلة الثبوت ولا في مرحلة السقوط، بداهة أنه لا معنى لأن يكون بعض أجزائه واجبا دون الباقي، كما أنه لا معنى لسقوط التكليف عن بعضها دون بعضها الآخر (1).
والسر في ذلك: هو أن التكليف المتعلق بالمجموع المركب حيث إنه تكليف واحد فلا يعقل التفكيك فيه بحسب أجزائه، وهذا معنى ارتباطية أجزاء الواجب الواحد. ولكن مع ذلك قد ذكرنا في محله: أنه لا مانع من التفكيك بينها في مرحلة التنجيز (2).
والوجه فيه: هو أن التنجيز متفرع على وصول التكليف، وعليه فبطبيعة الحال قد تنجز التكليف بالمقدار الواصل إلى المكلف دون الزائد عليه، وبما أن فيما نحن فيه التكليف المتعلق بالمركب كالصلاة - مثلا - قد وصل بالإضافة إلى عدة من أجزائه: كالتكبيرة والقراءة والركوع والسجود والتشهد والتسليمة فلا محالة تنجز بالإضافة إليها فلا يجوز له تركها، وأما بالإضافة إلى جزئية السورة - مثلا - حيث إنه لم يصل فلا يكون منجزا ولو كانت جزئيتها ثابتة في الواقع، فإذا لا عقاب على تركها، لأنه من العقاب بلا بيان، وهذا هو معنى التفكيك بينها بحسب مرتبة التنجز.
وعلى الجملة: فلا واقع لتنجز التكليف ما عدا إدراك العقل استحقاق العقوبة على مخالفته واستحقاق المثوبة على موافقته، وحيث إنه فرع وصوله إلى المكلف فلا مانع من التفكيك فيه بحسبه وإن لم يمكن بحسب الواقع.