الثالث: ما اخترناه من أن الواجب هو أحد الفعلين أو الأفعال لا بعينه، وتطبيقه على كل منهما في الخارج بيد المكلف كما هو الحال في موارد الواجبات التعيينية، غاية الأمر أن متعلق الوجوب في الواجبات التعيينية الطبيعة المتأصلة والجامع الحقيقي، وفي الواجبات التخييرية الطبيعة المنتزعة والجامع العنواني.
وقد ذكرنا في محله أنه لا مانع من تعلق الأمر به أصلا، بل تتعلق به الصفات الحقيقية كالعلم والإرادة وما شاكلهما (1)، وذكرنا أنه لا واقع للمعلوم بالإجمال في موارد العلم الإجمالي ما عدا عنوان أحدهما أو أحدها (2)، حتى في علم الله تعالى، فإذا تعلقت به الصفات الحقيقية فما ظنك بالحكم الشرعي الذي هو أمر اعتباري محض؟
وقد تقدم منا غير مرة: أن الأحكام الشرعية أمور اعتبارية، وليس لها واقع موضوعي ما عدا اعتبار الشارع (3)، ومن المعلوم أن الأمر الاعتباري كما يصح تعلقه بالجامع الذاتي كذلك يصح تعلقه بالجامع الانتزاعي، فلا مانع من اعتبار الشارع أحد الفعلين أو الأفعال على ذمة المكلف. ونتيجة ذلك: هي أن بقاءه مشروط بعدم تحقق شئ منهما، أو منها في الخارج.
وبعد ذلك نقول: إن مقتضى إطلاق الأمر المتعلق بشئ هو التعيين لا التخيير على جميع الأقوال في المسألة.
أما على القول الأول فواضح، لفرض أن وجوب كل منهما مشروط باختيار المكلف. ومن الطبيعي أن مقتضى الإطلاق عدمه، فالاشتراط يحتاج إلى دليل زائد.
وأما على القول الثاني فالأمر أيضا كذلك، لفرض أن وجوب كل مشروط بعدم الإتيان بالآخر، ومقتضى الإطلاق عدمه، وبه يثبت الوجوب التعييني.