ومن الطبيعي أن اختلاف أوامره إلزاما وندبا لا ينشأ عن اختلاف إرادته شدة وضعفا، لما عرفت من عدم تعلقها بما يعود نفعه إلى غيره دونه، إلا أن يكون ملائما لإحدى قواه، فعندئذ يكون منشأ لحدوث الشوق في نفسه، ولكنه خلاف الفرض.
وأضف إلى ذلك: أن الإرادة بمعنى " الشوق النفساني " لا تعقل في ذاته سبحانه وتعالى، والإرادة بمعنى " المشيئة " لا تعقل أن تتعلق بفعل الغير وإن افترض أن نفعه يعود إليه.
وبكلمة أخرى: أن ملاك شدة الإرادة وضعفها تزايد المصلحة في الفعل وعدم تزايدها، وحيث إن تلك المصلحة بشتى مراتبها من القوية والضعيفة تعود إلى العباد دون المولى، لاستغنائه عنها تمام الاستغناء، فلا يعقل أن تكون منشأ لحدوث الإرادة في نفس المولى فضلا عن أن يكون اختلافها منشأ لاختلافها شدة وضعفا.
على أن اختلاف تلك المصلحة العائدة إلى العباد لا يعقل أن يكون سببا لاختلاف إرادة المولى كذلك، نظير إرادة الطبيب، حيث إنها لا تعقل أن تختلف شدة وضعفا باختلاف المصلحة التي تعود إلى المريض، فتأمل.
وعلى هذا الضوء فلا يكون إطلاق الصيغة بمعونة مقدمات الحكمة قرينة على إرادة الوجوب.
وأما الدعوى الثانية: فحيث إن مصالح متعلقات الأوامر العرفية تعود إلى المولى دون العبيد فبطبيعة الحال تكون سببا لحدوث الإرادة في نفسه. وبما أن تلك المصالح تختلف شدة وضعفا فلا محالة تكون منشأ لاختلاف إرادته كذلك.
فالنتيجة: أن ما أفاده هذا القائل لو تم فإنما يتم في الأوامر العرفية دون الأوامر الشرعية.
الثاني: لو تنزلنا عن ذلك وسلمنا أن مرد اختلاف الوجوب والندب إلى اختلاف الإرادة شدة وضعفا إلا أن دعوى: كون الإرادة الشديدة لا تزيد على الإرادة بشئ فهي إرادة صرفة، دون الإرادة الضعيفة، فإنها لمكان ضعفها زائدة