ضرورة أن هذه مجرد ألفاظ لا تتعدى عن مرحلة التعبير واللفظ، وليس لها واقع موضوعي أصلا. والسبب في ذلك: ما حققناه في بحث الإنشاء من أنه: عبارة عن اعتبار الأمر النفساني، وإبرازه في الخارج بمبرز من قول أو فعل أو ما شاكله (1).
هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أنا قد ذكرنا في بحث الوضع: أن حقيقته عبارة عن تعهد الواضع والتزامه النفساني بأنه متى ما أراد معنى خاصا يبرزه بلفظ مخصوص (2).
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين: هي ضرورة وضع صيغة الأمر أو ما شاكلها للدلالة على إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، لا للطلب والتصدي، ولا للبعث والتحريك، ولا للإرادة.
نعم، إن صيغة الأمر مصداق للبعث والتحريك، لا أنهما معناها، كما أنها مصداق للطلب والتصدي. وأما الإرادة فلا يعقل أن تكون معناها، وذلك لاستحالة تعلق الإرادة بمعنى الاختيار وإعمال القدرة بفعل الغير، وكذا الإرادة بمعنى الشوق النفساني المحرك للإنسان نحو المراد فيما لا تعود مصلحته إليه. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى: أنا قد ذكرنا في محله: أنه لا معنى للإرادة التشريعية في مقابل الإرادة التكوينية، ولا نعقل لها معنى محصلا ما عدا الأمر الصادر عن المولى (3).
فالنتيجة على ضوئهما: هي أنه لا معنى لتفسير الأمر بالإرادة. ومن جميع ذلك يظهر: أن تفسير النهي بالكراهة أيضا خاطئ.
وبكلمة أخرى: أننا إذا حللنا الأمر المتعلق بشئ تحليلا موضوعيا فلا نعقل فيه ما عدا شيئين:
الأول: اعتبار الشارع ذلك الشئ في ذمة المكلف من جهة اشتماله على مصلحة ملزمة أو غيرها.