ومن ناحية ثالثة: أن المستعمل فيه والموضوع له في الجمل المزبورة إذا استعملت في مقام الإنشاء يباين المستعمل فيه والموضوع له في تلك الجمل إذا استعملت في مقام الإخبار، فإن المستعمل فيه على الأول هو إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج، وعلى الثاني قصد الحكاية والإخبار عن الواقع.
فالنتيجة على ضوئها: هي عدم الفرق في الدلالة على الوجوب بين تلك الجمل وبين صيغة الأمر، لفرض أن كلتيهما قد استعملتا في معنى واحد، وهو إبراز الأمر الاعتباري النفساني في الخارج. هذا من جانب.
ومن جانب آخر: انتفاء النكتة المتقدمة، فإنها تقوم على أساس استعمال الجمل الفعلية في معناها الخبري ولكن بداعي الطلب والبعث.
وقد تحصل من ذلك: أنه لا فرق بين الجمل الفعلية التي تستعمل في مقام الإنشاء وبين صيغة الأمر أصلا، فكما أن الصيغة لا تدل على الوجوب، ولا على الطلب ولا على البعث والتحريك، ولا على الإرادة، وإنما هي تدل على إبراز اعتبار شئ على ذمة المكلف فكذلك الجمل الفعلية. وكما أن الوجوب مستفاد من الصيغة بحكم العقل بمقتضى قانون العبودية والرقية كذلك الحال في الجمل الفعلية حرفا بحرف. فما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره): من أن دلالتها على الوجوب آكد من دلالة الصيغة عليه لا واقع موضوعي له.
وأما على نظرية المشهور فالأمر أيضا كذلك. والوجه فيه واضح، وهو: أن ما تستعمل فيه تلك الجمل في مقام الإنشاء غير ما تستعمل فيه في مقام الإخبار، فلا يكون المستعمل فيه في كلا الموردين واحدا، ضرورة أنها على الأول قد استعملت في الطلب وتدل عليه، وعلى الثاني في ثبوت النسبة في الواقع أو نفيها.
ومن الطبيعي أننا لا نعني بالمستعمل فيه والمدلول إلا ما يفهم من اللفظ عرفا ويدل عليه في مقام الإثبات.
وعلى الجملة: فلا ينبغي الشك في أن المتفاهم العرفي من الجملة الفعلية التي تستعمل في مقام الإنشاء غير ما هو المتفاهم العرفي منها إذا استعملت في مقام الإخبار.