وأما بناء على نظرية المشهور فالصيغة في أمثال المقام لم تستعمل في معناها الحقيقي وهو الوجوب يقينا، لفرض أن غسل الجمعة غير واجب، وعليه فلا مناص من الالتزام بأن يكون المستعمل فيه مطلق الطلب الجامع بين الوجوب والندب، فتحتاج إرادة كل منهما إلى قرينة معينة، ومع عدمها لابد من التوقف.
وعلى الجملة: فالصيغة أو ما شاكلها في أمثال المقام استعملت في معناها الحقيقي على ضوء نظريتنا من دون حاجة إلى عناية زائدة، ولم تستعمل فيه على ضوء نظرية المشهور.
[التعبدي والتوصلي] الجهة الرابعة: يقع الكلام في الواجب التوصلي والتعبدي، وقبل بيانهما نقدم مقدمة، وهي: أن الواجب التوصلي يطلق على معنيين:
الأول: ما لا يعتبر فيه قصد القربة، وذلك: كغسل الميت وكفنه ودفنه وما شاكل ذلك، حيث إنها واجبات في الشريعة الإسلامية، ولا يعتبر في صحتها قصد القربة والإتيان بها مضافا إلى الله سبحانه وتعالى، فلو أتى بها بدون ذلك سقطت عن ذمته.
نعم، استحقاق الثواب عليها يرتكز على الإتيان بها بقصد القربة، وبدونه لا يستحق وإن حصل الإجزاء، ولا ينافي ذلك اعتبار أمور أخر في صحتها، مثلا: يعتبر في صحة غسله أن يكون الغاسل بالغا، وأن يكون مماثلا، ولو كان غيره بطل إلا في موارد خاصة، وأن يكون الماء مباحا، وأن تكون الأغسال الثلاثة مترتبة، وغير ذلك.
وفي مقابله ما يعتبر فيه قصد القربة، وهو المعبر عنه بالواجب التعبدي، فلو أتى به بدون ذلك لم يسقط عنه، وكان كمن لم يأت به أصلا.
الثاني: ما لا تعتبر فيه المباشرة من المكلف، بل يسقط عن ذمته بفعل الغير، سواء أكان بالتبرع أم بالاستنابة، بل ربما لا يعتبر في سقوطه الالتفات والاختيار، بل ولا إتيانه في ضمن فرد سائغ، فلو تحقق من دون التفات وبغير اختيار، أو في ضمن فرد محرم كفى.
وإن شئت قلت: إن الواجب التوصلي: مرة يطلق ويراد به ما لا تعتبر فيه