نفي الوجوب المزبور الموجب لحمل [ما ظاهره الوجوب] على الاستحباب، كما هو الديدن عند ورود أمر في قبال نص على جواز الترك.
ومن هذه البيانات ظهر أنه ليس للمجتهد أن يتشبث في مورد نزاعه مع الأخباري بقاعدة القبح وما يساوقها من النصوص، ولا للأخباري أن يتشبث بقاعدة دفع الضرر وما يساوقها من النصوص، إذ مثل هذا الاستدلال من الطرفين أجنبي عن مركز بحثهم. فليس للمجتهد إلا التشبث بما دل على جواز ارتكاب الشبهات المزبورة، قبال الاخباري: من تشبثه بما دل على عدم [جواز] ارتكاب الشبهات المزبورة.
فظهر لك - حينئذ - أنه لا مجال لأن يستدل للبراءة في معركة الآراء بالأدلة الأربعة بجعل دليل العقل قاعدة القبح، إذ عرفت أن مثل هذه الكبرى أجنبية عن مورد النزاع، فلا يبقى مجال التشبث به قبال المخالف، إذ هو منكر لصغراه، فعلى المستدل إثبات صغراه، لا التشبث بالكبرى. فالأولى له الاقتصار بالأدلة الثلاثة، قبال استدلاله بالنصوص على وجوب الاحتياط في الشبهات.
[وأما في قبال] دعواه العلم الاجمالي المنتهي إلى قاعدة دفع الضرر المحتمل فمثل الكتاب والسنة الدالين على الترخيص في المشتبه - أيضا - غير واف لرد مدعاه، إذ مع وجود العلم الاجمالي [المنجز] في البين لا يبقى مجال جريان كبرى جواز الاقتحام في الشبهات، إذ العقل يمنع عن جريانها في أطراف العلم المنجز ولو بلا معارض. وحينئذ، لا يفي لإثبات مدعاه إلا منع منجزية هذا العلم عقلا، لانحلاله.
وبعد ذلك يلغو التشبث بالإجماع في هذا المقام - أيضا - لاحتمال اتكالهم [على] حكم العقل بانحلال العلم المنتهي إلى قاعدة القبح. ومعه لا يبقى مجال حدس بمثل هذا الاجماع أيضا.