نعم لو لم يحرز هذا الاهتمام من الخارج بل كان طريقه منحصرا بالجعل الشرعي، أو قلنا بعدم كفايته في تنجز الأحكام وانحصر الأمر في البيانية إلى جعل شرعي إما بتقريبنا الأول أو بتقريب جعل الإحراز - كما توهم - فلا [محيص] في باب الانسداد - بعد قيام الاجماع أو جهة أخرى على بطلان الاحتياط تماما أو تبعيضا - من المصير إلى الكشف، إذ لا يبقى للعقل استقلال في تعيين طرق الأحكام. بل المرجع حينئذ في تعيين أصل الطريق هو الشرع، وأن شأن العقل بعد تمامية مقدمات الانسداد تعيين ما هو المجعول شرعا. وبقية البيان موكول إلى محله إن شاء الله.
وحيث اتضحت الفذلكات المسطورة فلنرجع إلى أصل المقصد فنقول:
إن القطع تارة طريقي خارج عن الموضوع وحكمه. وأخرى مأخوذ في موضوع حكم. وحيث إنه لا يتصور في مورده أمر طريقي فلا محيص من كونه في القياس واسطة لحكم نفسه لا حكم متعلقه. ولذا لا يطلق عليه الحجة في باب الأدلة لما أشرنا إليه سابقا.
وحينئذ لا شبهة في قيام الأمارة [مقامه] في تنجيز الأحكام.
كما أنه لا شبهة أيضا في قيام الأمارة مقام العلم بلحاظ سائر آثاره الشرعية بملاحظة ما في لسان دليلها من تتميم الكشف القابل للنظر إلى أي أمر شرعي، أو بوجه آخر أشرنا إليه.
وربما تمتاز الأمارة عن الأصل حينئذ بمثل هذا النظر الموجب لتحكيم دليل الأمارة على الأصل كما لا يخفى.
ثم اعلم أن مجرد حكم العقل بوجوب موافقة القطع حين حصوله بكل واحد من المعنيين السابقين لا يقتضي معذريته عند المخالفة على الإطلاق، إذ ربما يقصر في تحصيله ولو من جهة علمه سابقا بأكثرية مخالفته للواقع