في موضع آخر، حيث قال - بعد رد خبر التثليث المتقدم (1): بأنه لا يدل على الحظر أو وجوب التوقف، بل مقتضاه أن من ارتكب الشبهة واتفق كونها (2) حراما في الواقع يهلك لا مطلقا -: ويخطر بخاطري أن من الأخباريين من يقول بهذا المعنى (3)، انتهى.
ولعل هذا القائل اعتمد في ذلك على ما ذكرنا سابقا (4): من أن الأمر العقلي والنقلي بالاحتياط للإرشاد، من قبيل أوامر الطبيب لا يترتب على موافقتها ومخالفتها عدا ما يترتب على نفس الفعل المأمور به أو تركه لو لم يكن أمر. نعم، الإرشاد على مذهب هذا الشخص على وجه اللزوم - كما في بعض أوامر الطبيب - لا للأولوية كما اختاره القائلون بالبراءة. وأما ما يترتب على نفس الاحتياط فليس إلا التخلص عن الهلاك المحتمل في الفعل.
نعم، فاعله يستحق المدح من حيث تركه لما يحتمل أن يكون تركه مطلوبا عند المولى، ففيه نوع من الانقياد، ويستحق عليه المدح والثواب. وأما تركه فليس فيه إلا التجري بارتكاب ما يحتمل أن يكون مبغوضا للمولى، ولا دليل على حرمة التجري على هذا الوجه واستحقاق العقاب عليه. بل عرفت في مسألة حجية العلم (5): المناقشة